أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمُتَعَظِّمِينَ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، قَالَ فَإِنْ كَانَ بِالْمَرْءِ مَانِعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنَ الْأَكْلِ إِلَّا مُتَّكِئًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَةٌ، ثُمَّ سَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَكَلُوا كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إِلَى حَمْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى الضَّرُورَةِ، وَفِي الْحَمْلِ نَظَرٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ جَوَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلْآكِلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُورُ قَدَمَيْهِ، أَوْ يَنْصِبُ الرِّجْلَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسُ عَلَى الْيُسْرَى، وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مُضْطَجِعًا أَكْلَ الْبَقْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ، وَأَقْوَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا اتِّكَاءَةً مَخَافَةَ أَنْ تَعْظُمَ بُطُونُهُمْ وَإِلَى ذَلِكَ يشير بَقِيَّةُ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٤ - بَاب الشِّوَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ ﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ أَيْ: مَشْوِيٍّ
٥٤٠٠ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ. فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ. قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ. قَوْلُهُ (بَابُ الشِّوَاءِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ مَعْرُوفٌ.
قَوْلُهُ (وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالتِّلَاوَةُ أَنْ جَاءَ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ (مَشْوِيٌّ) كَذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ مَشْوِيٌّ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ، وَأَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ بِلَفْظِ أَيْ مَشْوِيٌّ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ أَيْ مَحْنُوذٍ وَهُوَ الْمَشْوِيُّ مِثْلُ قَتِيلٍ فِي مَقْتُولٍ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخَصُّ مِنْهُ قَالَ حَنِيذٌ أَيْ نَضِيجٌ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ الْحَنِيذُ الْمَشْوِيُّ النَّضِيجُ، وَمِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَالضِّحَاكِ، وَابْنِ إِسْحَاقَ مِثْلُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْحَنِيذُ الْمَشْوِيُّ فِي الرَّضْفِ أَيِ الْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالضِّحَاكِ نَحْوُهُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَبِهِ جَزَمَ الْخَلِيلُ صَاحِبُ اللُّغَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: الْحَنِيذُ قَالَ الَّذِي يَقْطُرُ مَاؤُهُ بَعْدَ أَنْ يُشْوَى، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الضَّبِّ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَشَارَ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ أَخْذَ الْحُكْمِ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ ﷺ أَهْوَى لِيَأْكُلَ، ثُمَّ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلَّا لِكَوْنِهِ ضَبًّا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ ضَبٍّ لَأَكَلَ.
قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ (وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ) يَأْتِي مَوْصُولًا فِي الذَّبَائِحِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ.
١٥ - بَاب الْخَزِيرَةِ. قَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنْ النُّخَالَةِ. وَالْحَرِيرَةُ مِنْ اللَّبَنِ.
٥٤٠١ - حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute