٨ - بَاب إِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي، فَأَعْطَى عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ
٢٣٠٩ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَغَيْرِهِ - يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّه، وَرَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ، إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ، قَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَعْطِنِيهِ، فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ. قَالَ: بِعْنِيهِ، فَقُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلَا مِنْهَا، قَالَ: فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلَا مِنْهَا، قَالَ: فَذَلِكَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: يَا بِلَالُ، اقْضِهِ وَزِدْهُ. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا. قَالَ جَابِرٌ: لَا تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمْ يَكُنْ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ: إِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي فَأَعْطَى عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ) أَيْ: فَهُوَ جَائِزٌ، فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ الْجَمَلَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ.
وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: يَا بِلَالُ، اقْضِهِ وَزِدْهُ. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا يُعْطِيهِ عِنْدَ أَمْرِهِ بِإِعْطَاءِ الزِّيَادَةِ، فَاعْتَمَدَ بِلَالٌ عَلَى الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ فَزَادَهُ قِيرَاطًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ). كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، أَيْ: لَيْسَ جَمِيعُ الْحَدِيثِ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ: لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُمْ، رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَعَلَيْهِ شَرَحَ ابْنُ التِّينِ، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَيْنَ جَابِرٍ فِيهِ وَاسِطَةً. وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ جَابِرٍ وَمِثْلُهُ لِلْحُمَيْدِيِّ فِي جَمْعِهِ، وَبِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فِي نُسْخَتِهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ: لَمْ يُبِلِّغْهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَوْلُهُ: يَزِيدُ بَعْضُهُمْ الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إِلَى الْغَيْرِ، وَفِي: لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَى الْحَدِيثِ أَوِ الرَّسُولِ، ورَجُلٌ بَدَلٌ مِنْ كُلٍّ. قُلْتُ: الضَّمِيرُ لِلْحِدِّيثِ جَزْمًا لَا لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّ السَّنَدَ مُتَّصِلٌ. ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَفْظَةُ: وَغَيْرِهِ بِالْجَرِّ، وَأَمَّا رَفْعُهُ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ ويَزِيدُ خَبَرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ فَاعِلَ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ لِيُبَلِّغَهُ، وَعَلَى التَّقَادِيرِ لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنَ التَّعَجْرُفِ.
قُلْتُ: إِنَّمَا جَاءَ التَّعَجْرُفُ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ الْمُرَادِ، وَإِلَّا فَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءٍ وَعَنْ غَيْرِ عَطَاءٍ كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ، لَكِنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمْ بِالتَّوْزِيعِ: رَوَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةً مِنَ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلَّهُ رَجُلٌ أَيْ: لَمْ يَسُقْهُ بِتَمَامِهِ، فَهُوَ بَيَانٌ مِنْهُ لِصُورَةِ تَحَمُّلِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا لَكِنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ: نَفَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ، فَأَيُّ تَعَجْرُفٍ فِي هَذَا؟ وَالْعَجَبُ مِنْ شَارِحٍ تَرَكَ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي لَا قَلَقَ فِي تَرْكِيبِهَا وَتَشَاغَلَ بِتَجْوِيزِ شَيْءٍ لَمْ يَثْبُتْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute