بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ - فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ.
فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا.
[الحديث ٢٣٠٧ - أطرافه في: ٢٥٣٩، ٢٥٨٤، ٢٦٠٧، ٣١٣١، ٤٣١٨، ٧١٧٦]
[الحديث ٢٣٠٨ - أطرافه في: ٢٠٤٠، ٢٥٨٣، ٣١٢٣، ٤٣١٩، ٧١٧٧]
قَوْلُهُ: (بَابٌ: إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ جَازَ)، يَجُوزُ فِي وَكِيلٍ التَّنْوِينُ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: لِوَكِيلِ قَوْمٍ أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نَصِيبِي لَكُمْ). وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَدِيثَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي قِصَّةِ وَفْدِ هَوَازِنَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي. وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ. الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَانَ الْوَفْدُ رُسُلًا مِنْ هَوَازِنَ، وَكَانُوا وُكَلَاءَ وَشُفَعَاءَ فِي رَدِّ سَبْيِهِمْ، فَشَفَّعَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِمْ، فَإِذَا طَلَبَ الْوَكِيلُ أَوِ الشَّفِيعُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَأُعْطِيَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّ إِقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الْعُرَفَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْوُكَلَاءِ فِيمَا أُقِيمُوا لَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَيَّدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ بِالْحَاكِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَصِحُّ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِلْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْعُرَفَاءَ لَيْسُوا وُكَلَاءَ، وَإِنَّمَا هُمْ كَالْأُمَرَاءِ عَلَيْهِمْ، فَقَبُولُ قَوْلِهِمْ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ قَوْلِ الْحَاكِمِ فِي حقِّ مَنْ هُوَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِقَوْلِهِ: حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قَوْلُهُ ﷺ لِلْوَفْدِ وَهُمُ الَّذِينَ جَاءُوا شُفَعَاءَ فِي قَوْمِهِمْ: نَصِيبِي لَكُمْ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمَوْهِبَةَ وَقَعَتْ لِلْوَسَائِطِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَقْصُودُ هُمْ وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمُوا بِسَبَبِهِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأُمُورَ تَنْزِلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ لَا عَلَى الصُّوَرِ، وَأَنَّ مَنْ شَفَعَ لِغَيْرِهِ فِي هِبَةٍ، فَقَالَ: الْمَشْفُوعُ عِنْدَهُ لِلشَّفِيعِ قَدْ وَهَبْتُكَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَخُصَّ بِذَلِكَ نَفْسَهُ، بَلِ الْهِبَةُ لِلْمَشْفُوعِ لَهُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ وَكَّلَ عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَوَى نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْمُوَكِّلِ. انْتَهَى. وَهَذَا قَالَهُ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute