بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ مِنَ الْعَوْرَةِ فَالسَّتْرُ بِهِ حَاصِلٌ مَعَ الْقَبَاءِ وَمَعَ الْقَمِيصِ، وَأَمَّا مَعَ الرِّدَاءِ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ. وَرَأَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ انْحِصَارَ الْقِسْمَةِ يَقْتَضِي ذِكْرَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنَّ السَّتْرَ قَدْ يَحْصُلُ بِهَا إِذَا كَانَ الرِدَاءُ سَابِغًا، وَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرَ عُمَرُ مِنَ الْمَلَابِسِ سِتَّةٌ، ثَلَاثَةٌ لِلْوَسَطِ وَثَلَاثَةٌ لِغَيْرِهِ، فَقَدَّمَ مَلَابِسَ الْوَسَطِ ; لِأَنَّهَا مَحَلُّ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَقَدَّمَ أَسْتَرَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا اسْتِعْمَالًا لَهُمْ، وَضَمَّ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا، فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا يَقُومُ مَقَامُهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ لِضِيقِ الْحَالِ. وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَدْ تُفْهِمُ إِثْبَاتَهُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَى عَنِ الْأَئِمَّةِ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ قَالَ: وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ. وَعَنْ أَشْهَبَ فِيمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي السَّرَاوِيلِ مَعَ الْقُدْرَةِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، إِلَّا إِنْ كَانَ صَفِيقًا. وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ يُكْرَهُ.
(فَائِدَةٌ): رَوَى ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ فَأَدْرَجَ الْمَوْقُوفَ فِي الْمَرْفُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ، وَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ هَذِهِ الْمُفَصَّلَةُ أَصَحُّ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ، وَهِشَامٍ، وَحَبِيبٍ، وَعَاصِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُلَيَّةَ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ وَحَذَفَ الْبَاقِيَ، وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٦٦ - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا وَرْسٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ.
وَعَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ) هُوَ الْوَاسِطِيُّ.
قَوْلُهُ: (سَأَلَ رَجُلٌ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ، وَأَخَّرْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ إِلَى مَوْضِعِهِ فِي الْحَجِّ. وَمَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْهُ هُنَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ بِدُونِ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَخِيطِ لِأَمْرِ الْمُحْرِمِ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَكُونَا) فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي حَتَّى يَكُونَ بِالْإِفْرَادِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ نَافِعٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ هُنَاكَ عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَدَّمَ طَرِيقَ نَافِعٍ وَعَطَفَ عَلَيْهَا طَرِيقَ الزُّهْرِيِّ، عَكْسُ مَا هُنَا. وَزَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْ نَافِعٍ تَعْلِيقٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّجْوِيزَاتِ الْعَقْلِيَّةَ لَا يَلِيقُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
١٠ - بَاب مَا يَسْتُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ
٣٦٧ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَيْثٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى