للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيهِ الْقَلِيلُ، وَالْكَافِرُ لَا يُسَمِّي فَيُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَبْلُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَقِلُّ حِرْصُهُ عَلَى الطَّعَامِ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ وَفِي مَأْكَلِهِ فَيَشْبَعُ مِنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَافِرُ طَامِحُ الْبَصَرِ إِلَى الْمَأْكَلِ كَالْأَنْعَامِ فَلَا يَشْبَعُهُ الْقَلِيلُ، وَهَذَا يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَيُجْعَلَانِ جَوَابًا وَاحِدًا مَرْكَبًا.

السَّادِسُ: قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ إنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَإنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَأْكُلُونَ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ مِثْلَ مِعَى الْمُؤْمِنِ اهـ، وَيَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ: الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا: الْبَوَّابُ، ثُمَّ الصَّائِمُ. ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ، ثُمَّ الْأَعْوَرُ، وَالْقَوْلُونُ، وَالْمُسْتَقِيمُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ. فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ لِكَوْنِهِ يَأْكُلُ بِشَرَاهَةٍ لَا يُشْبِعُهُ إِلَّا مِلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ، وَالْمُؤْمِنُ يُشْبِعُهُ مِلْءُ مِعًى وَاحِدٍ. وَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْأَطِبَّاءِ فِي تَسْمِيَةِ الْأَمْعَاءِ السَّبْعَةِ أَنَّهَا الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهَا رِقَاقٌ وَهِيَ الِاثْنَا عَشْرِيُّ، وَالصَّائِمُ، وَالْقَوْلُونُ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ غِلَاظٌ وَهِيَ الْفَانَفِيُّ بِنُونٍ وَفَاءَيْنِ أَوْ قَافَيْنِ، وَالْمُسْتَقِيمُ، وَالْأَعْوَرُ.

السَّابِعُ: قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّبْعَةِ فِي الْكَافِرِ صِفَاتٍ هِيَ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالطَّمَعُ وَسُوءُ الطَّبْعِ وَالْحَسَدُ وَحُبُّ السِّمَنِ، وَبِالْوَاحِدِ فِي الْمُؤْمِنِ سَدَّ خَلَّتِهِ.

الثَّامِنُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: شَهَوَاتُ الطَّعَامِ سَبْعٌ. شَهْوَةُ الطَّبْعِ، وَشَهْوَةُ النَّفْسِ، وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ، وَشَهْوَةُ الْفَمِ، وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ، وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ، وَشَهْوَةُ الْجُوعِ وَهِيَ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي يَأْكُلُ بِهَا الْمُؤْمِنُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْكُلُ بِالْجَمِيعِ. ثُمَّ رَأَيْتُ أَصْلَ مَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ مُلَخَّصًا وَهُوَ أَنَّ الْأَمْعَاءَ السَّبْعَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَالشَّهْوَةِ وَالْحَاجَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالْحَثُّ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا وَالْقَنَاعَةُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ الْعُقَلَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يَتَمَدَّحُونَ بِقِلَّةِ الْأَكْلِ وَيَذُمُّونَ كَثْرَةَ الْأَكْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ أَنَّهَا قَالَتْ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ لِابْنِ أَبِي زَرْعٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ وَقَالَ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ:

فَإِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ … وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا

وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قِيلَ إِنَّ النَّاسَ فِي الْأَكْلِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: طَائِفَةٌ تَأْكُلُ كُلَّ مَطْعُومٍ مِنْ حَاجَةٍ وَغَيْرِ حَاجَةٍ وَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَطَائِفَةٌ تَأْكُلُ عِنْدَ الْجُوعِ بِقَدْرِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ حَسْبُ، وَطَائِفَةٌ يُجَوِّعُونَ أَنْفُسَهُمْ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ قَمْعَ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَإِذَا أَكَلُوا أَكَلُوا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ اهـ مُلَخَّصًا. وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَنْزِيلِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَائِقٌ بِالْقَوْلِ الثَّانِي.

١٣ - بَاب الْأَكْلِ مُتَّكِئًا

٥٣٩٨ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا آكُلُ مُتَّكِئًا.

[الحديث ٥٣٩٨ - ٥٣٩٩]

٥٣٩٩ - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ.