للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (وَعَنْ هِشَامٍ) هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ فِي بَيْتِهَا مَوْضِعُ قَبْرٍ.

قَوْلُهُ: (لَا أُزَكَّى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ: لَا يُثْنَى عَلَيَّ بِسَبَبِهِ، وَيُجْعَلُ لِي بِذَلِكَ مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ وَأَنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. يَحْتَمِلُ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَلِكَ، وَهَذَا مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَهَضْمِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لِعُمَرَ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، فَكَأَنَّ اجْتِهَادَهَا فِي ذَلِكَ تَغَيَّرَ، أَوْ لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ لَهَا مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْجَمَلِ فَاسْتَحْيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُدْفَنَ هُنَاكَ، وَقَدْ قَالَ عَنْهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ حَارَبَهَا يَوْمَئِذٍ: إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

قَوْلُهُ: (رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ سَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ، وَزَادَ فِيهِ: وَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ: أَمِيُرُ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي أَوَّلِهِ قَدْرُ وَرَقَةٍ فِي سِيَاقِ مَقْتَلِهِ، وَفِي آخِرِهِ قَدْرُ صَفْحَةٍ فِي قِصَّةِ بَيْعَةِ عُثْمَانَ. قَالَ ابْنُ التِّينِ. قَوْلُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ إِلَّا مَوْضِعَ قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ يُغَايِرُ قَوْلَهَا عِنْدَ وَفَاتِهَا: لَا تَدْفِنِّي عِنْدَهُمْ؛ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الْبَيْتِ مَوْضِعٌ لِلدَّفْنِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَسَعُ إِلَّا قَبْرًا وَاحِدًا، فَلَمَّا دُفِنَ ظَهَرَ لَهَا أَنَّ هُنَاكَ وُسْعًا لِقَبْرٍ آخَرَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا اسْتَأْذَنَهَا عُمَرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ كَانَ بَيْتَهَا، وَكَانَ لَهَا فِيهِ حَقٌّ، وَكَانَ لَهَا أَنْ تُؤْثِرَ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، فَآثَرَتْ عُمَرَ. وَفِيهِ الْحِرْصُ عَلَى مُجَاوَرَةِ الصَّالِحِينَ فِي الْقُبُورِ طَمَعًا فِي إِصَابَةِ الرَّحْمَةِ إِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ، وَفِي دُعَاءِ مَنْ يَزُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ. وَفِي قَوْلِ عُمَرَ: قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ، فَإِنْ أَذِنَتْ. أَنَّ مَنْ وَعَدَ عِدَةً جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَلَا يُلْزَمُ بِالْوَفَاءِ. وَفِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ رَسُولًا فِي حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّسُولَ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ، بَلْ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْخَيْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٩٧ - بَاب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ

١٣٩٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ : لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ.

[الحديث ١٣٩٣ - طرفه في: ٦٥١٦]

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَفْظُ التَّرْجَمَةِ يُشْعِرُ بِانْقِسَامِ السَّبِّ إِلَى مَنْهِيٍّ وَغَيْرِ مَنْهِيٍّ، وَلَفْظُ الْخَبَرِ مَضْمُونُهُ النَّهْيُ عَنِ السَّبِّ مُطْلَقًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ، حَيْثُ قَالَ عِنْدَ ثَنَائِهِمْ بِالْخَيْرِ وَبِالشَّرِّ: وَجَبَتْ، وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَمْوَاتِ عَهْدِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِسَبِّهِمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ وَجَبَتْ يَحْتَمِلُ أَجْوِبَةً، الْأَوَّلَ: أَنَّ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالشَّرِّ كَانَ مُسْتَظْهِرًا بِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ: لَا غِيبَةَ لِفَاسِقٍ، أَوْ كَانَ مُنَافِقًا. ثَانِيَهَا: يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا بَعْدَ الدَّفْنِ، وَالْجَوَازُ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِيَتَّعِظَ بِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ. ثَالِثَهَا يَكُونُ النَّهْيُ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا، فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ مَا مُحَصِّلُهُ: إِنَّ السَّبَّ يَنْقَسِمُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ، وَفِي حَقِّ