لِأَنَّهَا تُسْتَعَارُ كَثِيرًا فِي الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ وَهَذَا جَوَابُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ إِطْرَاقُ فَحْلِهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا
سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَخْرًا) أَيْ تَعَاظُمًا وَقَوْلُهُ: وَرِيَاءً أَيْ إِظْهَارًا لِلطَّاعَةِ وَالْبَاطِنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ: وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا، وَرِيَاءً لِلنَّاسِ.
قَوْلُهُ: (وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ هُوَ مَصْدَرٌ تَقُولُ: نَاوَأْتُ الْعَدُوَّ مُنَاوَأَةً وَنِوَاءً، وَأَصْلُهُ مِنْ نَاءَ إِذَا نَهَضَ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَادَاةِ، قَالَ الْخَلِيلُ: نَاوَأْتُ الرَّجُلَ نَاهَضْتُهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ وَنَوَى بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَصْرِ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، قُلْتُ: حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، فَإِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ: وَبُعْدًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَيْ مِنْهُمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَرِيَاءً وَنِوَاءً بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تَفْتَرِقُ فِي الْأَشْخَاصِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَذْمُومٌ عَلَى حِدَّتِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْخَيْلَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا كَانَ اتِّخَاذُهَا فِي الطَّاعَةِ أَوْ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ السَّائِلِ صَرِيحًا، وَسَيَأْتِي مَا قِيلَ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ) بِالْفَاء وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ سَمَّاهَا جَامِعَةً لِشُمُولِهَا لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَسَمَّاهَا فَاذَّةً لِانْفِرَادِهَا فِي مَعْنَاهَا، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَالْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ فِي اقْتِنَاءِ الْحَمِيرِ طَاعَةً رَأَى ثَوَابَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً رَأَى عِقَابَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ تَعْلِيمُ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ شَبَّهَ مَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ حُكْمَهُ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ الْحُمُرُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَمَلِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِذْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا، قَالَ: وَهَذَا نَفْسُ الْقِيَاسِ الَّذِي يُنْكِرُهُ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْعُمُومِ وَإِثْبَاتٌ لِصِيغَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ أَوْ وَقَفَ. وَفِيهِ تَحْقِيقٌ لِإِثْبَاتِ الْعَمَلِ بِظَوَاهِرَ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ الْمَنْصُوصِ وَالْعَامِّ الظَّاهِرِ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ دُونَ الْمَنْصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ.
٤٩ - بَاب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ
٢٨٦١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لَا أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ قَالَ جَابِرٌ: فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِا شِيَةٌ وَالنَّاسُ خَلْفِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي: النَّبِيُّ ﷺ يَا جَابِرُ اسْتَمْسِكْ فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ فَقَالَ: أَتَبِيعُ الْجَمَلَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ فَدَخَلْتُ علَيْهِ وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلَاطِ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute