سَرَّحْتَنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ لَأَخَذْتُ بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ؛ أَيْ سَهِّلْ. وَالْمَعْنَى: قَدَرْتَ فَاعْفُ. وَالسَّجَاحَةُ السُّهُولَةُ. زَادَ مَكِّيٌّ فِي رِوَايَتِهِ: إنَّ الْقَوْمَ لَيُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ. وَعِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مِنْ قَوْمِهِمْ. وَلِمُسْلِمٍ: إنَّهُمْ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ وَيُقْرَوْنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنَ الْقِرَى وَهِيَ الضِّيَافَةُ، وَلِابْنِ إِسْحَاقَ: فَقَالَ: إِنَّهُمُ الْآنَ لِيَغْبِقُونِ فِي غَطَفَانَ، وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ، مِنَ الْغَبُوقِ وَهُوَ شُرْبُ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ فَاتُوا وَأَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَهُمُ الْآنَ يَذْبَحُونَ لَهُمْ وَيُطْعِمُونَهُمْ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ جَزُورًا، فَلَمَّا كَشَطُوا جِلْدَهَا إِذَا هُمْ بِغَبَرَةٍ، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ، فَخَرَجُوا هَارِبِينَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَجَعْنَا) إِلَى الْمَدِينَةِ (وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي سَابَقَهُ فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ، قَالَ: فَسَبَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ - وَفِيهِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رِجَالَتِنَا الْيَوْمَ سَلَمَةُ. قَالَ سَلَمَةُ: ثُمَّ أَعْطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اشْتَرَى فَرَسَهُ، فَلَقِيَهُ مُسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ فَتَقَاوَلَا، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْقِنِيكَ وَأَنَا عَلَيْهَا. قَالَ: آمِينَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَعْلِفُهَا إِذْ قِيلَ: أُخِذَتِ اللِّقَاحُ، فَرَكِبَهَا حَتَّى هَجَمَ عَلَى الْعَسْكَرِ، قَالَ: فَطَلَعَ عَلَيَّ فَارِسٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَلْقَانِيكَ اللَّهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ، فَذَكَرَ مُصَارَعَتَهُ لَهُ وَظَفَرَهُ بِهِ وَقَتَلَهُ وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الْفُرْسَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْعَدْوِ الشَّدِيدِ فِي الْغَزْوِ، وَالْإِنْذَارُ بِالصِّيَاحِ الْعَالِي، وَتَعْرِيفُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ إِذَا كَانَ شُجَاعًا لِيُرْعِبَ خَصْمَهُ، وَاسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الشُّجَاعِ وَمَنْ فِيهِ فَضِيلَةٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الصُّنْعِ الْجَمِيلِ لِيَسْتَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ يُؤْمَنُ الِافْتِتَانُ، وَفِيهِ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِوضٍ، وَأَمَّا بِالْعِوَضِ فَالصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٨ - بَاب غَزْوَةِ خَيْبَرَ
٤١٩٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ - صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
٤١٩٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ﵁ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute