مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ. فَفَعَلْتُ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ) أَيْ هَلْ يَجِبُ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ فِي الْحَائِضِ دُونَ الْجُنُبِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِهِ فِيهِمَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قُلْتُ: وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ، وَفِيهِ إِنْكَارُ عَائِشَةَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ بِذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ يُوجِبُهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنِ النَّخَعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ يُجْمَعُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالنَّقْضِ فَيَلْزَمُ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (فَلْيُهْلِلْ) فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فَلْيُهِلَّ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ.
قَوْلُهُ: (لَأَحْلَلْتُ) فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ، وَالْحَمَوِيِّ لَأَهْلَلْتُ بِالْهَاءِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١٧ - بَاب ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾
٣١٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ﷿ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
[الحديث ٣١٨ - طرفاه- في: ٦٥٩٥، ٣٣٣٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) رَوَيْنَاهُ بِالْإِضَافَةِ، أَيْ بَابُ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ وَبِالتَّنْوِينِ، وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ ﷿ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِالتَّخْفِيفِ، يُقَالُ وَكَلَهُ بِكَذَا إِذَا اسْتَكْفَاهُ إِيَّاهُ وَصَرَفَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ، وَلِلْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾
قَوْلُهُ: (يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ، أَيْ وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ نُطْفَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِالنَّصْبِ أَيْ خَلَقْتَ يَا رَبِّ نُطْفَةً، وَنِدَاءُ الْمَلَكِ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ بَيْنَ كُلِّ حَالَةٍ وَحَالَةٍ مُدَّةٌ تَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ هُنَاكَ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ، وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُفَسِّرٌ لِلْآيَةِ.
وَأَوْضَحُ مِنْهُ سِيَاقًا مَا رَوَاهُ