للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَثَرًا فِيهِ. وَالْمُرَادُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ مِنَ الْفَهْمِ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ فِيهِ. وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: عَقْلٌ. وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اسْتِقْرَارِهِ. (فَائِدَةٌ): لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ، وَلَا هِيَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، إِنَّمَا تَفَرَّدَ بِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ زَكَرِيَّا الْمَذْكُورُ عَنْهُ، وَتَابَعَهُ مُجَاهِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُغِيرَةَ وَغَيْرُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ.

وَعَبَّرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ عَنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاتِّقَاءِ وَالْوُقُوعِ هُوَ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ عِمَادُ الْبَدَنِ. وَقَدْ عَظَّمَ الْعُلَمَاءُ أَمْرَ هَذَا الْحَدِيثِ فَعَدُّوهُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ تَدُورُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبَى دَاوُدَ، وَفِيهِ الْبَيْتَانِ الْمَشْهُورَانِ وَهُمَا:

عُمْدَةُ الدِّينِ عِنْدَنَا كَلِمَاتٌ … مُسْنَدَاتٌ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّهِ

اتْرُكِ الْمُشْبِهَاتِ وَازْهَدْ وَدَعْ مَا … لَيْسَ يَعْنِيكَ وَاعْمَلَنَّ بِنِيَّهْ

وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَدُّ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ. . . الْحَدِيثَ بَدَلَ ازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ حَذَفَ الثَّانِيَ، وَأَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ وَحْدَهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى تَعَلُّقِ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِالْقَلْبِ، فَمِنْ هُنَا يُمْكِنُ أَنْ تُرَدَّ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

٤٠ - بَاب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنْ الْإِيمَانِ

٥٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قال: أخبرنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قال: إن وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ قال: من الْقَوْمُ أَوْ مَنْ الْوَفْدُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى فَقالوا: يا رسول الله، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ، وَقَالَ: احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْإِيمَانِ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وهو الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الْآيَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ رُوِيَ هُنَا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمُرَادُ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَفِيهِ بُعْدٌ ; لِأَنَّ الْحَجَّ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا، وَلِأَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ قَدْ تَقَدَّمَ، وَلَمْ يُرِدْ هُنَا إِلَّا ذِكْرَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِفْرَادَهُ بِالذِّكْرِ. وَسَنَذْكُرُ وَجْهَ كَوْنِهِ مِنَ الْإِيمَانِ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ)