عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ) أَيْ عَلَى عَائِشَةَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَخَالَفَا فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَافَقَ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَجِيءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
قَوْلُهُ: (وَدِدْتُ إِلَخْ) هُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْوَرَعِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ أَنَّهَا قَالَتْ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ وَلَفْظُهُ: فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا.
(تَنْبِيهٌ): لَمْ يَذْكُرْ هُنَا خُصُوصَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِقَامَةِ عُذْرِهَا وَبَرَاءَتِهَا ﵂، وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: سُبْحَانَكَ ﴿مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ﴾ الْآيَةَ، وَسَأَذْكُرُ تَسْمِيَتَهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ (عَنِ الْقَاسِمِ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵁ اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نَحْوَهُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ خَلَفٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ يَعْنِي قَوْلَهُ: أَنْتِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَنَزَلَ عُذْرُكِ. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، وَلَفْظُهُ: عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اشْتَكَتْ. فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهَا وَأَتَاهَا يَعُودُهَا فَقَالَتِ: الْآنَ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُزَكِّيَنِي فَأَذِنَتْ لَهُ، فَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تُقْدِمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، وَتُقْدِمِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُزَكِّيَنِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عَائِشَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِإِسْنَادِ الْبَابِ بِلَفْظِ: أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تُقْدِمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَهَّابِ مُخْتَصَرَةٌ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: نَحْوَهُ وَمَعْنَاهُ بَعْضُ الْحَدِيثِ لَا جَمِيعُ تَفَاصِيلِهِ.
ثُمَّ رَاجَعْتُ مُسْتَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَظَهَرَ لِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ لَا الْبُخَارِيُّ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ حَدِيثَ ابْنِ عَوْنٍ، وَأَنَّهُ كَانَ سَمِعَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ، فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهِ يَخْتَصِرُهُ، وَكَانَ يَتَحَقَّقُ قَوْلَهَا: نِسْيًا مَنْسِيًّا لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ فَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ، فَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمُثَنَّى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَتَوَاضُعِ عَائِشَةَ وَفَضْلِهَا وَتَشْدِيدِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَمَشُورَةِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ إِذَا رَآهُ عَدْلَ إِلَى مَا الْأَوْلَى خِلَافُهُ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى رِعَايَةِ جَانِبِ الْأَكَابِرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ ذَلِكَ لِمُعَارِضٍ دُونَ ذَلِكَ فِي الْمَصْلَحَةِ.
٩ - بَاب: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ الآية
٤٧٥٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، قُلْتُ: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا؟ قَالَتْ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ؟ قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute