أَنَسٍ لِجَوَازِ التَّعْرِيضِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِمَعْنًى جَامِعٍ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: حَدِيثُ الْقَوَارِيرِ وَالْفَرَسِ لَيْسَا مِنَ الْمَعَارِيضِ بَلْ مِنَ الْمَجَازِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ جَائِزًا قَالَ: فَالْمَعَارِيضُ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: شَبَّهَ جَرْيَ الْفَرَسِ بِالْبَحْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، يَعْنِي ثُمَّ أَطْلَقَ صِفَةَ الْجَرْيِ عَلَى نَفْسِ الْفَرَسِ مَجَازًا، قَالَ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمَعَارِيضِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِيمَا يُخَلِّصُ مِنَ الظُّلْمِ أَوْ يُحَصِّلُ الْحَقَّ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فِي عَكْسِ ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ الْحَقِّ أَوْ تَحْصِيلِ الْبَاطِلِ فَلَا يَجُوزُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ عَيُونًا - أَيْ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ - فَرَأَى بَغْلَةً لِشُرَيْحٍ فَأُعْجِبَ بِهَا، فَخَشِيَ شُرَيْحٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا رَبَضَتْ لَا تَقُومُ حَتَّى تُقَامَ، فَقَالَ: أُفٌّ أُفٌّ، فَسَلِمَتْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ شُرَيْحٌ بِقَوْلِهِ: حَتَّى تُقَامَ؛ أَيْ حَتَّى يُقِيمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
١١٧ - بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْءِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَنْوِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ للْقَبْرَيْنِ: يُعَذَّبَانِ بِلَا كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ
٦٢١٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْءِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَنْوِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ.
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْقَبْرَيْنِ: يُعَذَّبَانِ بِلَا كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ) وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ النَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ بِلَفْظِ: وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ.
الثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْكُهَّانِ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ فِيمَا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؛ أَيْ لَيْسَ قَوْلُهُمْ بِشَيْءٍ صَحِيحٍ يُعْتَمَدُ كَمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْوَحْي، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ مُتْقَنٍ أَوْ قَالَ قَوْلًا غَيْرَ سَدِيدٍ: مَا عَمِلْتُ أَوْ مَا قُلْتُ شَيْئًا. وقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ: إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّفْيِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذِبًا. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾؛ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الْقَدْرُ وَالشَّرَفُ، أَيْ كَانَ مَوْجُودًا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ يُذْكَرُ بِهِ، أمَّا وَهُوَ مُصَوَّرٌ مِنْ طِينٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ آدَمُ أَوْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ.
١١٨ - بَاب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ قَالَ أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ: رَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ
٦٢١٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute