للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ دِرْبَاسٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ، لَكِنْ تَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ ; لِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ عُقُوبَتَهُ تَخْتَصُّ بِذَنْبِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ الْحَلِفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى يُضَاهِي الْكُفَّارَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ بِالتَّوْحِيدِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الْقِمَارِ بَعْدَ الْحَلِفِ بِاللَّاتِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي حَلِفِهِمْ فَأُمِرَ بِالتَّوْحِيدِ، وَمَنْ دَعَا إِلَى الْمُقَامَرَةِ وَافَقَهُمْ فِي لَعِبِهِمْ فَأُمِرَ بِكَفَّارَةِ ذَلِكَ بِالتَّصَدُّقِ.

قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّعِبِ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَعِبَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حَتَّى اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ أَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ أَنَّهُ تَكْتُبُهُ عَلَيْهِ الْحَفَظَةُ. كَذَا قَالَ، وَفِي أَخْذِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ وَقْفَةٌ.

٦ - بَاب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يُحَلَّفْ

٦٦٥١ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ يَلْبَسُهُ، فَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ. ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتِمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ، فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يُحَلَّفْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِذَلِكَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ.

وَأَوْرَدَ هُنَا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي لُبْسِ النَّبِيِّ ﷺ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَفِيهِ فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ. وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ تُكْرَهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ طَاعَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ﴾ يَعْنِي عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ فِيهَا لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ أَنَّ الْحَالِفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ يَرْتَكِبُ النَّهْيَ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ كَتَأْكِيدِ الْحُكْمِ، كَالَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ مَنْعِ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ.

٧ - بَاب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ

وقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الْكُفْرِ

٦٦٥٢ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ. وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ) الْمِلَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ، وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ جَمِيعَ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَالصَّابِئَةِ وَأَهْلِ الْأَوْثَانِ