الْمُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَنَسًا فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُزَفَّتِ وَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: صَدَقْتَ الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، فَالشَّرْبَةُ وَالشَّرْبَتَانِ عَلَى الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ، وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَا قَالَ، وَاسْتُدِلَّ بِمُطْلَقِ قَوْلِهِ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُسْكِرُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَابًا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَشِيشَةُ وَغَيْرُهَا، وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ، وَجَزَمَ آخَرُونَ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ، وَهُوَ مُكَابَرَةٌ لِأَنَّهَا تُحْدِثُ بِالْمُشَاهَدَةِ مَا يُحْدِثُ الْخَمْرُ مِنَ الطَّرَبِ وَالنَّشْأَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسْكِرَةٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَبِي دَاوُدَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ وَهُوَ بِالْفَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ) هُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَأَفْرَدَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُمَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ) الْقَائِلُ هَذَا هُوَ الزُّهْرِيُّ، وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ شُعَيْبٍ عَنْهُ مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا تَنْبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَلَا فِي الْمُزَفَّتِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ، وَرَفَعَهُ كُلَّهُ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: نَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ وَالدُّبَّاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فِي أَوَائِلِ الصَّحِيحِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْأَوْعِيَةِ فَقُلْتُ: أُخْبِرْنَاهُ بِلُغَتِكُمْ وَفَسِّرْهُ لَنَا بِلُغَتِنَا، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحَنْتَمَةِ وَهِيَ الْجَرَّةُ، وَعَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعَةِ، وَعَنِ النَّقِيرِ وَهِيَ أَصْلُ النَّخْلَةِ تُنْقَى نَقْرًا، وَعَنِ الْمُزَفَّتِ وَهُوَ الْمُقَيَّرُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: نُهِينَا عَنْ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ، فَأَمَّا الدُّبَّاءُ فَإِنَّا مَعْشَرُ ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ كُنَّا نَأْخُذُ الدُّبَّاءَ فَنَخْرُطُ فِيهَا عَنَاقِيدَ الْعِنَبِ ثُمَّ نَدْفِنُهَا ثُمَّ نَتْرُكُهَا حَتَّى تُهْدَرَ ثُمَّ تَمُوتُ، وَأَمَّا النَّقِيرُ فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ كَانُوا يَنْقُرُونَ أَصْلَ النَّخْلَةِ فَيَشْدَخُونَ فِيهِ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ ثُمَّ يَدْعُونَهُ حَتَّى يُهْدَرَ ثُمَّ يَمُوتُ، وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَجِرَارٌ جَاءَتْ تُحْمَلُ إِلَيْنَا فِيهَا الْخَمْرُ، وَأَمَّا الْمُزَفَّتُ فَهِيَ هَذِهِ الْأَوْعِيَةُ الَّتِي فِيهَا هَذَا الزِّفْتُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ نَسْخِ النَّهْيِ عَنِ الْأَوْعِيَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
(تَنْبِيهٌ):
قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي النَّهْيِ فِي الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ أَنَّ الْعَسَلَ لَا يَكُونُ مُسْكِرًا إِلَّا بَعْدَ الِانْتِبَاذِ، وَالْعَسَلُ قَبْلَ الِانْتِبَاذِ مُبَاحٌ، فَأَشَارَ إِلَى اجْتِنَابِ بَعْضِ مَا يُنْتَبَذُ فِيهِ لِكَوْنِهِ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْإِسْكَارُ.
٥ - بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنْ الشَّرَابِ
٥٥٨٨ - حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّياء. قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، فَشَيْءٌ يُصْنَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute