ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ يُخْطِئُ أَحْيَانَا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَنَبْلُو عَلَيْهِ لِلْكِتَابِ لَا لِكَعْبٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي كِتَابِهِمُ الْكَذِبَ؛ لِكَوْنِهِمْ بَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى الْكِتَابِ، وَيَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى كَعْبٍ وَعَلَى حَدِيثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْكَذِبَ وَيَتَعَمَّدْهُ إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مُسَمَّى الْكَذِبِ التَّعَمُّدُ، بَلْ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَجْرِيحٌ لِكَعْبٍ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ كَعْبٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ كَذِبًا لَا أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ كَعْبٌ مِنْ أَخْيَارِ الْأَحْبَارِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ مَاتِعٍ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ - ابْنِ
عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مِنْ آلِ ذِي رَعِينٍ، وَقِيلَ: ذِي الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيِّ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي اسْمِ جَدِّهِ وَنَسَبِهِ، يُكْنَى أَبَا إِسْحَاقَ، كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلًا، وَكَانَ يَهُودِيًّا عَالِمًا بِكُتُبِهِمْ حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ كَعْبٌ الْحَبْرُ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالثَّانِي قَالَهُ أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَسْنَدَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَغَزَا الرُّومَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ إِلَى الشَّامِ فَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِحِمْصٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ذَكَرُوهُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدَ ابْنِ الْحِمْيَرِيَّةِ لَعِلْمًا كَثِيرًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ أَلَا إِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُ لَعِلْمٌ كَالْبِحَارِ وَإِنْ كُنَّا فِيهِ لَمُفَرِّطِينَ، وَفِي تَارِيخِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا أَصَبْتُ فِي سُلْطَانِي شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ كَعْبٌ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَوْلُهُ: (كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ) تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودُ، لَكِنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ النَّصَارَى.
قَوْلُهُ: (لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ) هَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ التَّرْجَمَةِ؛ فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ السُّؤَالِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، فَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى مَا إِذَا بَدَأَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ النَّهْيِ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ) هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ؟) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: عَنْ كُتُبِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ أَحْدَثُ) كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا هُنَا، وَتَقَدَّمَ بِلَفْظِ: أَحْدَثُ الْكُتُبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَحْدَثُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ أَحْدَثُ، وَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ: لَا يَنْهَاكُمْ اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ: أَوَلَا يَنْهَاكُمْ، وَقَوْلُهُ: عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِوَزْنِ الْمُفَاعَلَةِ.
٢٦ - بَاب كَرَاهِيَةِ الْخِلَافِ
٧٣٦٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: سَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، سَلَّامًا.