للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ وَسْمِ الْإِمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ) ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَفِيهِ مَقْصُودُ الْبَابِ. وَسَيَأْتِي فِي الذَّبَائِحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَآهُ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا، وَيَأْتِي هُنَاكَ النَّهْيُ عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ.

قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ) هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو عَمْرٍو هُوَ الْأَوْزَاعِيُّ، كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ.

قَوْلُهُ: (وَفِي يَدِهِ الْمِيسَمُ) بِوَزْنِ مِفْعَلٍ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ، وَأَصْلُهُ مِوْسَمٌ لِأَنَّ فَاءَهُ وَاوٌ، لَكِنَّهَا لَمَّا سُكِّنَتْ وَكُسِرَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ يَاءً، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُوسَمُ بِهَا، أَيْ يُعَلَّمُ، وَهُوَ نَظِيرُ الْخَاتَمِ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَمْيِيزُهَا، وَلِيَرُدَّهَا مَنْ أَخَذَهَا وَمَنِ الْتَقَطَهَا، وَلِيَعْرِفَهَا صَاحِبُهَا فَلَا يَشْتَرِيَهَا إِذَا تَصَدَّقَ بِهَا مَثَلًا لِئَلَّا يَعُودَ فِي صَدَقَتِهِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِمَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى مِيسَمِ النَّبِيِّ ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَبُ (١) في مِيسَمِ الزَّكَاةِ زَكَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ كَرِهَ الْوَسْمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمِيسَمِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنَ الْعُمُومِ الْمَذْكُورِ لِلْحَاجَةِ كَالْخِتَانِ لِلْآدَمِيِّ.

قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ مِيسَمًا، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يَتَّخِذُوا نَظِيرَهُ، وَهُوَ كَالْخَاتَمِ، وَفِيهِ اعْتِنَاءُ الْإِمَامِ بِأَمْوَالِ الصَّدَقَةِ وَتَوَلِّيهَا بِنَفْسِهِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ جَمِيعُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِيهِ جَوَازُ إِيلَامِ الْحَيَوَانِ لِلْحَاجَةِ. وَفِيهِ قَصْدُ أَهْلِ الْفَضْلِ لِتَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ لِأَجْلِ الْبَرَكَةِ (٢) وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا لَوْ عُجِّلَتْ لَاسْتُغْنِيَ عَنِ الْوَسْمِ. وَفِيهِ مُبَاشَرَةُ أَعْمَالِ الْمِهْنَةِ وَتَرْكُ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا لِلرَّغْبَةِ فِي زِيَادَةِ الْأَجْرِ وَنَفْيِ الْكِبْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٧٠ - بَاب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً

١٥٠٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.

[الحديث ١٥٠٣ - أطرافه في: ١٥٠٤، ١٥٠٧، ١٥٠٩، ١٥١١، ١٥١٢]

قَوْلُهُ: (بَابُ فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي، وَاقْتَصَرَ الْبَاقُونَ عَلَى بَابٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ: كِتَابٌ بَدَلَ بَابٍ، وَأُضِيفَتِ الصَّدَقَةُ لِلْفِطْرِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمُرَادُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَدَقَةُ النُّفُوسِ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي: زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ.

قَوْلُهُ: (وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الْآخَرِينَ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذِكْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِمْ صَرَّحُوا بِفَرْضِيَّتِهَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ


(١) قال مصحح طبعة بولاق: في نسخة أخرى "كتب" بصيغة الماضي
(٢) سبق غيره مرة في الحاشية أن التماس البركة من النبي خاص به لايقاس عليه غيره، لما جعل الله في جسده من البركة، بخلاف غيره فلا يجوز التماس البركة منه سدا لذريعة الشرك وتأسيا بالصحابة فإنهم لم يفعلوا ذلك مع غيره، وهم أعلم الناس بالسنة وأسبقهم إلى كل خير . والله أعلم