أَلِفٍ، وَبَعْضُهُمْ يَحَاضُّونَ بِتَحْتَانِيَّةٍ أَوَّلَهُ، وَالْكُلُّ صَوَابٌ. كَانُوا يَحَاضُّونَ: يُحَافِظُونَ، وَيَحُضُّونَ: يَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ، انْتَهَى. وَأَصْلُ تَحَاضُّونَ تَتَحَاضُّونَ؛ فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَالْمَعْنَى: لَا يَحُضُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالتَّحْتَانِيَّةِ فِي يُكْرِمُونَ وَيَحُضُّونَ وَمَا بَعْدَهُمَا، وَبِمِثْلِ قِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ قَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَخَوَانِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِالْمُثَنَّاةِ فِيهَا وَفِي يُكْرِمُونَ فَقَطْ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى الْمُثَنَّاةِ فِيهِمَا ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ وَشَيْبَةُ، لَكِنْ بِغَيْرِ أَلِفِ في يَحُضُّونَ.
قَوْلُهُ: (الْمُطْمَئِنَّةُ الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ) قَالَ الْفَرَّاءُ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ بِالْإِيمَانِ، الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ وَالْبَعْثِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُطْمَئِنَّةُ الْمُؤْمِنَةُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾؛ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَهَا اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْه، وَرَضِيَتْ عَنِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا وَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَدْخَلَهَا اللَّهُ الْجَنَّةَ بِالتَّأْنِيثِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَوْجَهُ. وَلِلْآخَرِ وَجْهٌ وَهُوَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الشَّخْصِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ قَبْضَ رُوحِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَاطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا وَرَضِيَتْ عَنِ اللَّهِ وَرَضِيَ عَنْهَا، أَمَرَ بِقَبْضِهَا فَأَدْخَلَهَا الْجَنَّةَ وَجَعَلَهَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. أَخْرَجَهُ مُفَرَّقًا، وَإِسْنَادُ الِاطْمِئْنَانِ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ لَازِمُهُ مِنْ إِيصَالِ الْخَيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْمُطْمَئِنَّةُ إِلَى مَا قَالَ اللَّهُ، وَالْمُصَدِّقَةُ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ: ﴿جَابُوا﴾؛ نَقَبُوا، مِنْ جَيْبِ الْقَمِيصِ قُطِعَ لَهُ جَيْبٌ. يَجُوبُ الْفَلَاةَ)؛ أَيْ: (يَقْطَعُهَا) ثَبَتَ هَذَا لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿جَابُوا﴾ الْبِلَادَ: نَقَبُوهَا، وَيَجُوبُ الْبِلَادَ يَدْخُلُ فِيهَا وَيَقْطَعُهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: ﴿جَابُوا الصَّخْرَ﴾ فَرَّقُوهُ فَاتَّخَذُوهُ بُيُوتًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿جَابُوا الصَّخْرَ﴾ نَقَبُوا الصَّخْرَ.
قَوْلُهُ: (لَمًّا: لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ؛ أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بِلَفْظِهِ، وَزَادَ: ﴿حُبًّا جَمًّا﴾؛ كَثِيرًا شَدِيدًا.
(تَنْبِيهٌ): لَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَجْرِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ قَالَ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
٩٠ - سُورَةُ (لَا أُقْسِمُ)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ مَكَّةَ، لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ. وَوَالِدٍ: آدَمَ وَمَا وَلَدَ. لُبَدًا: كَثِيرًا. وَالنَّجْدَيْنِ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. مَسْغَبَةٍ: مَجَاعَةٍ. مَتْرَبَةٍ: السَّاقِطُ مِنَ التُّرَابِ. يُقَالُ: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾؛ فَلَمْ يَقْتَحِمِ الْعَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْعَقَبَةَ فَقَالَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾، ﴿فِي كَبَدٍ﴾ فِي شِدَّةٍ.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ لَا أُقْسِمُ) وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: سُورَةُ الْبَلَدِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَلَدِ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ مَكَّةَ، لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ: يَقُولُ: لَا تُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْتَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ مَا عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَزَادَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ فِيهِ مَا شَاءَ. وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ