للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَفْسِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْكُرَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ بِهِمْ إِرَادَةٌ مُخَصَّصَةٌ، وَإِذَا صَحَّ الْفَرْقُ فَاللَّهُ مَحْبُوبٌ لِمُحِبِّيهِ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ مُحِبِّيهِ الْمُخْلِصِينَ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَحَبَّةُ وَالْبُغْضُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، فَمَعْنَى مَحَبَّتِهِ إِكْرَامُ مَنْ أَحَبَّهُ وَمَعْنَى بُغْضِهِ إِهَانَتُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ كَلَامِهِ، وَكَلَامُهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِرَادَةِ، فَمَحَبَّتُهُ الْخِصَالَ الْمَحْمُودَةَ وَفَاعِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ إِكْرَامَهُ، وَبُغْضُهُ الْخِصَالَ الْمَذْمُومَةَ وَفَاعِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ إِهَانَتَهُ.

٢ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ : ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾

٧٣٧٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ظَبْيَانَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ.

٧٣٧٧ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ تدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَأَعَادَتْ الرَّسُولَ أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ : ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَرِيرٍ: لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَدَبِ.

وَحَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ وَلَدِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَرَضِيَ عَنْهَا، وَفِيهِ: فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَفِيهِ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: غَرَضُهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ الرَّحْمَةَ، وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فَالرَّحْمَنُ وَصْفٌ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى الرَّحْمَةِ، كَمَا تَضَمَّنَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ عَالِمُ مَعْنَى الْعِلْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِرَحْمَتِهِ إِرَادَتُهُ نَفْعَ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ، قَالَ: وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ دَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ يَخْتَصُّ الِاسْمُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الرَّحْمَةُ الَّتِي جَعَلَهَا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَصَفَهَا بِأَنَّهُ خَلَقَهَا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَهِيَ رِقَّةٌ عَلَى الْمَرْحُومِ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْوَصْفِ بِذَلِكَ فَتُتَأَوَّلُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: هُمَا اسْمَانِ مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقٍ، وَقِيلَ: يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى الْإِرَادَةِ، فَرَحْمَتُهُ إِرَادَتُهُ تَنْعِيمَ مَنْ يَرْحَمُهُ، وَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى تَرْكِهِ عِقَابَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: مَعْنَى الرَّحْمَنِ أَنَّهُ مُزِيحُ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ بَيَّنَ حُدُودَهَا وَشُرُوطَهَا فَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ وَكَلَّفَ مَا تَحْمِلُهُ بِنْيَتُهُمْ، فَصَارَتِ الْعِلَلُ عَنْهُمْ مُزَاحَةً وَالْحِجَجُ مِنْهُمْ مُنْقَطِعَةً، قَالَ: وَمَعْنَى الرَّحِيمِ