الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ فَنَزَّلَ الْمَرْأَةَ مِنَ الْوَارِثِ مَنْزِلَةَ الْأَبْكَمِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. اهـ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ عَنْ قَائِلِهَا، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ حَمْلُ الْمِثْلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ، وَالَّذِي تَقَدَّمَ الْإِرْضَاعُ وَالْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ وَعَدَمُ الْإِضْرَارِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ بَلْ إِلَى الْأَخِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ فِعْلَيْهِ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْإِفْرَادِ، وَأَقْرَبُ مَذْكُورٍ هُوَ عَدَمُ الْإِضْرَارِ فَرَجَعَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ فِي سُؤَالِهَا: هَلْ لَهَا أَجْرٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ؟ فَأَخْبَرَهَا أَنَّ لَهَا أَجْرًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ بَنِيهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا، إِذْ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا، لَبَيَّنَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ، وَكَذَا قِصَّةُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِ نَفَقَةِ بَنِيهَا مِنْ مَالِ الْأَبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ دُونَهَا، فَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمِ الْأُمَّهَاتُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ الْآبَاءِ، فَالْحُكْمُ بِذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الْآبَاءِ، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ أَيْ: رِزْقُ الْأُمَّهَاتِ وَكِسْوَتُهُنَّ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ لِلْأَبْنَاءِ، فَكَيْفَ يَجِبُ لَهُنَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ؟ وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ نَفَقَةُ الْأَبْنَاءِ فِي آخِرِهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ قَبِيصَةَ فَيَرُدُّهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَفْظٌ يَشْمَلُ الْوَلَدَ وَغَيْرَهُ، فَلَا يُخَصُّ بِهِ وَارِثٌ دُونَ آخَرَ إِلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الْمُرَادَ لَقِيلَ: وَعَلَى الْمَوْلُودِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْخَالِ لِابْنِ أُخْتِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَمِّ لِابْنِ أَخِيهِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْقِيَاسِ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ وَمَنْ تَابَعَهُ فَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ فَلَمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْإِنْفَاقُ عَلَى مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهُ لِيُغَذَّى وَيُرَبَّى، فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا فُطِمَ فَيُغَذِّيهِ
بِالطَّعَامِ، كَمَا كَانَ يُغَذِّيهِ بِالرَّضَاعِ مَا دَامَ صَغِيرًا، وَلَوْ وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْوَارِثِ لَوَجَبَ إِذَا مَاتَ عَنِ الْحَامِلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَصَبَةَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِأَجْلِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَكَذَا يَلْزَمُ الْحَنَفِيَّةَ إِلْزَامُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا قَصَدَ الْبُخَارِيُّ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ وَلَدِهَا وَإِرْضَاعُهُ بَعْدَ أَبِيهِ؛ لِدُخُولِهَا فِي الْوَارِثِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ كَانَتْ كَلًّا عَلَى الْأَبِ وَاجِبَةَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ وَمَنْ هُوَ كَلٌّ بِالْأَصَالَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ غَالِبًا، كَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إِنْفَاقَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَضْلِ وَالتَّطَوُّعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا وُجُوبَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قِصَّةُ هِنْدٍ فَظَاهِرَةٌ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ، فَيُسْتَصْحَبُ هَذَا الْأَصْلُ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّقُوطِ عَنْهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ السُّقُوطُ عَنْهَا بَعْدَ فَقْدِهِ، وَإِلَّا فُقِدَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ الْوَلَدِ بِفَقْدِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي إِنْفَاقِهَا عَلَى أَوْلَادِهَا الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنَ التَّرْجَمَةِ، وَهُوَ أَنَّ وَارِثَ الْأَبِ كَالْأُمِّ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَمِنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي الْجُزْءَ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ عِنْدَ وُجُودِ الْأَبِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَا بَعْدَ الْأَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٥ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ
٥٣٧١ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute