عُمَرَ، وَقَوْلُهُ: كَمَا أَنَّكَ هَهُنَا، أَيْ حَفِظْتُهُ حِفْظًا كَالْمَحْسُوسِ لَا شَكَّ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَهْلٍ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَهْلًا أَخْبَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَوَعَدْتُ بِشَرْحِهِ فِي الدِّيَاتِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرٍ، الْأَوَّلُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كُلُّ ثَقْبٍ مُسْتَدِيرٍ فِي أَرْضٍ أَوْ حَائِطٍ، وَأَصْلُهَا مَكَامِنُ الْوَحْشِ، وَالثَّانِي بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ حُجْرَةٍ وَهِيَ نَاحِيَةُ الْبَيْتِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حُجْرَةٌ بِالْإِفْرَادِ، وَقَوْلُهُ: مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهَا، وَالْمِدْرَى تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَقَوْلُهُ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُ. كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِوَزْنِ تَفْتَعِلُ، وَلِلْكُشمِيهَنِيِّ تَنْظُرُ وقَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ وَقَعَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ، كَذَا عِنْدَهُ مُبْهَمٌ، وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَأْذِنُ مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ: هَكَذَا عَنْكَ، فَإِنَّمَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ، ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُمُ اكْتَفَوْا بِقَرْعِ الْبَابِ. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا سُتُورٌ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِصَ، بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَقَافٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، هَلْ قَالَهُ شَيْخُهُ بِالْإِفْرَادِ أَوْ بِالْجَمْعِ، وَالْمِشْقَصُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ: نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا غَيْرَ عَرِيضٍ. وقَوْلُهُ: يَخْتِلُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ يَطْعَنُهُ وَهُوَ غَافِلٌ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَنْ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ، وَأَمَّا مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ، عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ وَالْعِلَلِ، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ يَتَعَلَّقُ بِأَشْيَاءَ مَتَى وُجِدَتْ فِي شَيْءٍ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِئْذَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَعْرَضَ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَحْتَاجُ فِي دُخُولِ مَنْزِلِهِ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الَّتِي شُرِعَ لِأَجْلِهَا الِاسْتِئْذَانُ.
نَعَمْ لَوِ احْتَمَلَ أَنْ يَتَجَدَّدَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَيْهِ شُرِعَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْرَعُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْمَحَارِمِ لِئَلَّا تَكُونَ مُنْكَشِفَةَ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا بَلَغَ بَعْضُ وَلَدِهِ الْحُلُمَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: مَا عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهَا تُرِيدُ أَنْ تَرَاهَا، وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ بِالنُّونِ مُصَغَّرٌ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: إِنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا رَأَيْتَ مَا تَكْرَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أُمِّي فَدَخَلَ وَاتَّبَعْتُهُ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: تَدْخُلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: إِنَّهَا فِي حِجْرِي، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْآثَارِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ. وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ هَذَا الْحَدِيثَ مِثَالًا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ.
١٢ - بَاب زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute