حُذَيْفَةَ يَعْنِي كَمَا قَالَ الْأَعْمَشُ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَسْحَ، فَقَدْ وَافَقَ مَنْصُورٌ، الْأَعْمَشَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ مُسْلِمٌ إِلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ ذَكَرَهَا فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَصَحُّ، يَعْنِي مِنْ حَدِيثِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ جَنَحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إِلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَتَيْنِ لِكَوْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَافَقَ عَاصِمًا عَلَى قَوْلِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَبُو وَائِلٍ سَمِعَهُ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ مَعًا، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ التَّرْجِيحُ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ لِاتِّفَاقِهِمَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ، وَحَمَّادٍ لِكَوْنِهِمَا فِي حِفْظِهِمَا مَقَالٌ.
٦١ - بَاب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ
٢٢٥ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْبَائِلِ.
قَوْلُهُ: (جَرِيرٌ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَمَنْصُورٌ وَهُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ.
قَوْلُهُ: (رَأَيْتُنِي) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ.
قَوْلُهُ: (فَانْتَبَذْتُ) بِالنُّونِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَنَحَّيْتُ، يُقَالُ: جَلَسَ فُلَانٌ نُبْذَةً بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا أَيْ نَاحِيَةً.
قَوْلُهُ: (فَأَشَارَ إِلَيَّ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ. وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ: عَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَسَمَاعِ نِدَائِهِ لَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ، أَوْ رُؤْيَةِ إِشَارَتِهِ إِذَا أَشَارَ لَهُ وَهُوَ مُسْتَدْبِرُهُ. وَلَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْبَوْلِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ادْنُهْ كَانَ بِالْإِشَارَةِ لَا بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ ﷺ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِنَ الْإِبْعَادِ - عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ - عَنِ الطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ وَعَنْ أَعْيُنِ النَّظَّارَةِ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ ﷺ كَانَ مَشْغُولًا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى الْبَوْلِ، فَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ، وَاسْتَدْنَى حُذَيْفَةُ لِيَسْتُرَهُ مِنْ خَلْفِهِ مِنْ رُؤْيَةِ مَنْ لَعَلَّهُ يَمُرُّ بِهِ وَكَانَ قُدَّامُهُ مَسْتُورًا بِالْحَائِطِ، أَوْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. ثُمَّ هُوَ فِي الْبَوْلِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الْغَائِطِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى زِيَادَةِ تَكَشُّفٍ، وَلِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الرَّائِحَةِ. وَالْغَرَضُ مِنَ الْإِبْعَادِ التَّسَتُّرُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ وَالدُّنُوِّ مِنَ السَّاتِرِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اسْتُرْنِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَظَهَرَ مِنْهُ الْحِكْمَةَ فِي إِدْنَائِهِ حُذَيْفَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَانَ حُذَيْفَةُ لَمَّا وَقَفَ خَلْفَهُ عَنْدَ عَقِبِهِ اسْتَدْبَرَهُ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَفْعُ أَشَدِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَالْإِتْيَانُ بِأَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ إِذَا لَمْ يُمْكِنَا مَعًا، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُطِيلُ الْجُلُوسَ لِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ وَيُكْثِرُ مِنْ زِيَارَةِ أَصْحَابِهِ وَعِيَادَتِهِمْ، فَلَّمَا حَضَرَهُ الْبَوْلُ وَهُوَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحَالَاتِ لَمْ يُؤَخِّرْهُ حَتَّى يَبْعُدَ كَعَادَتِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْخِيرِهِ مِنَ الضَّرَرِ، فَرَاعَى أَهَمَّ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدَّمَ الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْرِيبِ حُذَيْفَةِ مِنْهُ لِيَسْتُرَهُ مِنَ الْمَارَّةِ عَلَى مَصْلَحَةِ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ إِذْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهُمَا.
٦٢ - بَاب الْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ
٢٢٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ