وَقَدْ أَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً وَفِيهَا أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ قَالَ: رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا، فَمَا لَكُمْ وَلَهُ؟ فَرَدَّ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْمُسْتَهْزِئِينَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: عَاشَ أَبِي خَمْسًا وَثَمَانِينَ، وَإِنَّهُ لَيَرْكَبُ حِمَارًا إِلَى الطَّائِفِ فَيَمْشِي عَنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَرْكَبُ، وَيُقَالُ: إِنَّ حِمَارَهُ رَمَاهُ عَلَى شَوْكَةٍ أَصَابَتْ رِجْلَهُ فَانْتَفَخَتْ فَمَاتَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ) بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْد هَذِهِ أَنَّهُ أَجَّرَهُ سَيْفًا عَمِلَهُ لَهُ، وَقَالَ فِيهَا: كُنْتَ قَيْنًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٍ وَهُوَ الْحَدَّادُ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَاجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لَا) أَيْ لَا أَكْفُرُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَكْفُرُ أَبَدًا. وَالنُّكْتَةُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْبَعْثِ تَعْيِيرُ الْعَاصِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلِهِ هَذَا فَقَالَ: عَلَّقَ الْكُفْرَ، وَمَنْ عَلَّقَ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَاصَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ فَعَلَّقَ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ بِزَعْمِهِ، وَالتَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْجَوَابِ.
قَوْلُهُ: (فَأَقْضِيكَ، فَنَزَلَتْ) زَادَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ) أَمَّا رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ فَوَصَلَهَا بَعْدَ هَذَا، وَكَذَا رِوَايَةُ شُعْبَةَ، وَوَكِيعٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ فَوَصَلَهَا فِي الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهِ - وَفِيهِ - قَالَ: فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جِئْتَنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأُعْطِيكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
٤ - بَاب ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قَالَ: مَوْثِقًا
٤٧٣٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ. قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيَكَ. قَالَ: إِذَا أَمَاتَنِي اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَنِي وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قَالَ: مَوْثِقًا. لَمْ يَقُلْ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ سَيْفًا وَلَا مَوْثِقًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قَالَ: مَوْثِقًا) سَقَطَ قَوْلُهُ. (مَوْثِقًا) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ الْمُؤَلِّفُ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قَالَ: مَوْثِقًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَقُلِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ سَيْفًا وَلَا مَوْثِقًا) هُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَةُ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ.
٥ - بَاب ﴿كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾
٤٧٣٤ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عن شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ