للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ.

قَوْلُهُ: (أَنْكَرُوا ذَلِكَ) يَعْنِي الْيَهُودُ، فَنَزَلَتْ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ الْآيَةَ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ زُهَيْرٍ) يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ بِحَذْفِ أَدَاةِ الْعَطْفِ كَعَادَتِهِ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُعَلَّقٌ، وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ سِيَاقًا وَاحِدًا.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ: قِبْلَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ (رِجَالٌ وَقُتِلُوا) ذِكْرُ الْقَتْلِ لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْمَوْتِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالَّذِينَ مَاتُوا بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ، فَبِمَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِهَابٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ الزُّهْرِيَّانِ، وَالسَّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ. وَبِأَرْضِ الْحَبَشَةَ مِنْهُمْ: حَطَّابٌ - بِالْمُهْمَلَةِ - ابْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الْأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ السَّهْمِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ الْعَدَوِيَّانِ. وَمِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِمُهْمَلَاتٍ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ. فَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ. وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ أَيْضًا إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيُّ ; لَكِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي إِسْلَامِهِ. وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الذِّكْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِرْ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ، وَلَمْ يُضْبَطِ اسْمُهُ لِقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِالتَّارِيخِ إِذْ ذَاكَ.

ثُمَّ وَجَدْتُ فِي الْمَغَازِي ذِكْرَ رَجُلٍ اخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهِ وَهُوَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَاهُ الْأَنْصَارُ فِي الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَسَنٌ. وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُتِلَ بِهَا فِي وَقْعَةِ بُعَاثٍ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِهْمَالِ الْعَيْنِ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ - وَكَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، قَالَ: فَكَانَ قَوْمُهُ يَقُولُونَ: لَقَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ. وَذَكَرَ لِي بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَنْ قُتِلَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ كَأَبَوَيْ عَمَّارٍ.

قُلْتُ: يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ أَنَّ قَتْلَهُمَا بَعْدَ الْإِسْرَاءِ.

(تَنْبِيهٌ): فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي إِنْكَارِهِمْ تَسْمِيَةَ أَعْمَالِ الدِّينِ إِيمَانًا. وَفِيهِ أَنَّ تَمَنِّيَ تَغْيِيرِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ جَائِزٌ إِذَا ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ بَيَانُ شَرَفِ الْمُصْطَفَى وَكَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ لِإِعْطَائِهِ لَهُ مَا أَحَبَّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالسُّؤَالِ. وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى دِينِهِمْ وَالشَّفَقَةِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُمْ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَيْضًا فَنَزَلَ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ: - ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا﴾ وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَا الْمَعْنَى عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ بِقَوْلِهِ: بَابُ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ فَذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا فَعَلَ الْحَسَنَةَ أُثِيبَ عَلَيْهَا.

٣١ - بَاب حُسْنُ إِسْلَامِ الْمَرْءِ

٤١ - قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ مَالِكٌ) هَكَذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا، وَلَمْ يُوصِلْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لِلصَّحِيحِ، فَقَالَ عَقِبَهُ: أَخْبَرَنَاهُ النَّضْرَوِيُّ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ