وَالرَّسُولِ﴾ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ (وَقَالَ النَّضْرُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَوَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) يَعْنِي مَوْصُولًا، وَرِوَايَةُ النَّضْرِ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَوَكِيعٍ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي فِي بَابِ بَعْثِ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ وَرِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَصَلَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثَبَاتِ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْحَقِّ، وَفِيهِ جَوَازُ نَصْبِ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ فَيَقْعُدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَاحِيَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشْرَكَهُمَا فِيمَا وَلَّاهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي تَوْلِيَةِ اثْنَيْنِ قَاضِيَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْوِلَايَةِ كَذَا جَزَمَ بِهِ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا نَفَذَ حُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَلَّاهُمَا لِيَشْتَرِكَا فِي الْحُكْمِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَحْكُمُ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَمَلٌ يَخُصُّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الظَّاهِرُ اشْتِرَاكُهُمَا، لَكِنْ جَاءَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَقَرَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، وَالْمِخْلَافُ الْكُورَةُ، وَكَانَ الْيَمَنُ مِخْلَافَيْنِ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا تَقَدَّمَتْ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ إِذَا سَارَ فِي عَمَلِهِ زَارَ رَفِيقَهُ، وَكَانَ عَمَلُ مُعَاذٍ النُّجُودَ وَمَا تَعَالَى مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَعَمَلُ أَبِي مُوسَى التَّهَائِمَ وَمَا انْخَفَضَ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا فَأَمْرُهُ ﷺ لَهُمَا بِأَنْ يَتَطَاوَعَا وَلَا يَتَخَالَفَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ يَحْتَاجُ الْأَمْرُ فِيهَا إِلَى اجْتِمَاعِهِمَا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ: تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ أَيْضًا: فَإِذَا اجْتَمَعَا فَإِنِ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا تَبَاحَثَا حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الصَّوَابِ وَإِلَّا رَفَعَا الْأَمْرَ لِمَنْ فَوْقَهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّيْسِيرِ فِي الْأُمُورِ وَالرِّفْقُ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحْبِيبُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ وَتَرْكُ الشِّدَّةِ لِئَلَّا تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ وَلَا سِيَّمَا فِيمَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ قَارَبَ حَدَّ التَّكْلِيفِ مِنَ الْأَطْفَالِ لِيَتَمَكَّنَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ فِي تَدْرِيبِ نَفْسِهِ عَلَى الْعَمَلِ إِذَا صَدَقَتْ إِرَادَتُهُ لَا يُشَدِّدْ عَلَيْهَا، بَلْ يَأْخُذْهَا بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّيْسِيرِ حَتَّى إِذَا أَنِسَتْ بِحَالَةٍ دَاوَمَتْ عَلَيْهَا نَقَلَهَا لِحَالٍ آخَرَ وَزَادَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْأُولَى حَتَّى يَصِلَ إِلَى قَدْرِ احْتِمَالِهَا وَلَا يُكَلِّفْهَا بِمَا لَعَلَّهَا تَعْجِزُ عَنْهُ.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الزِّيَارَةِ وَإِكْرَامُ الزَّائِرِ وَأَفْضَلِيَّةُ مُعَاذٍ فِي الْفِقْهِ عَلَى أَبِي مُوسَى، وَقَدْ جَاءَ: أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
٢٣ - بَاب إِجَابَةِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَةَ، وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
٧١٧٣ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِجَابَةِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَةَ) الْأَصْلُ فِيهِ عُمُومُ الْخَبَرِ ورُودُ الْوَعِيدِ فِي التَّرْكِ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يُجِيبُ الْحَاكِمُ دَعْوَةَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الرَّعِيَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ، إِلَّا إِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ كَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ الَّذِي لَا يُجَابُ إِلَى إِزَالَتِهِ، فَلَوْ كَثُرَتْ بِحَيْثُ تَشْغَلُهُ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ سَاغَ لَهُ أَنْ لَا يُجِيبَ.
قَوْلُهُ (وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَثَرُ رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute