لِمُضَرَ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، أَلِمُضَرَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَنْصَرْتَ اللَّهَ فَنَصَرَكَ، وَدَعَوْتَ اللَّهَ فَأَجَابَكَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مُرِيعًا مَرِيئًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ. قَالَ: فَأُجِيبُوا، فَمَا لَبِثُوا أَنْ أَتَوْهُ فَشَكَوْا إِلَيْهِ كَثْرَةَ الْمَطَرِ فَقَالُوا: قَدْ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ الْمَقُولَ لَهُ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ.
لَكِنْ يَظْهَرُ لِي أَنَّ فَاعِلَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَنْصَرْتَ اللَّهَ إِلَخْ هُوَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى كَعْبٍ، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مُضَرَ. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَكَ وَأَعْطَاكَ وَاسْتَجَابَ لَكَ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، الْحَدِيثَ، فَعَلَى هَذَا كَأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَكَعْبًا حَضَرَا جَمِيعًا، ف كَلَّمَهُ أَبُو سُفْيَانَ بِشَيْءٍ وَكَعْبٌ بِشَيْءٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِ قِصَّتِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذِهِ مَا ثَبَتَ فِي تِلْكَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَسْبَاطَ بْنَ نَصْرٍ لَمْ يَغْلَطْ فِي الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ، وَسِيَاقُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ بِقَوْلِهِ: اسْتَنْصَرْتَ اللَّهَ فَنَصَرَكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَعَ قِصَّةِ أَنَسٍ، بَلْ قِصَّةُ أَنَسٍ وَاقِعَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى مُطِرُوا وَفِي هَذِهِ فَمَا كَانَ إِلَّا جُمْعَةً أَوْ نَحْوَهَا حَتَّى مُطِرُوا وَالسَّائِلُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ غَيْرُ السَّائِلِ فِي تِلْكَ فَهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ الدُّعَاءِ بِالِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ طَلَبُ الدُّعَاءِ بِالِاسْتِصْحَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مُرَّةَ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حُمِلَ قَوْلُهُ اسْتَنْصَرْتَ اللَّهَ فَنَصَرَكَ عَلَى النَّصْرِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ عَلَيْهِمْ، وَزَالَ الْإِشْكَالُ الْمُتَقَدِّمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنِّي لَيَكْثُرُ تَعَجُّبِي مِنْ كَثْرَةِ إِقْدَامِ الدِّمْيَاطِيِّ عَلَى تَغْلِيطِ مَا فِي الصَّحِيحِ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ، مَعَ إِمْكَانِ التَّصْوِيبِ بِمَزِيدِ التَّأَمُّلِ، وَالتَّنْقِيبِ عَنِ الطُّرُقِ، وَجَمْعِ مَا وَرَدَ فِي الْبَابِ مِنِ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا عَلَّمَ وَأَنْعَمَ.
١٤ - بَاب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا
١٠٢١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتْ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتْ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَكَشَطَتْ الْمَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تَمْطُرُ حَوْلَهَا وَلَا تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةٌ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ: حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) كَانَ التَّقْدِيرُ أَنْ يَقُولَ: حَوَالَيْنَا، وَتَكَلَّفَ لَهُ الْكِرْمَانِيُّ إِعْرَابًا آخَرَ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى، إِنَّمَا اخْتَارَ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ رِوَايَةَ ثَابِتٍ لِقَوْلِهِ فِيهَا: وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي انْكِشَافِ الْمَطَرِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ تَقَعْ إِلَّا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute