الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْشَطُ إِلَى الْعَوْدِ أَوْ إِلَى الْغُسْلِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ ﵀ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ ; لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، لَكِنْ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا اسْتُحِبَّ لَهَا ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاسْتِحْبَابِ التَّنْظِيفِ عِنْدَ النَّوْمِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْعُدُ عَنِ الْوَسَخِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ، بِخِلَافِ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهَا تَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢٨ - بَاب إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ
٢٩١ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح.
وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ. تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ، وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ) الْمُرَادُ بِهَذِهِ التَّثْنِيَةِ خِتَانُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْخَتْنُ قَطْعُ جِلْدَةِ كَمَرَتِهِ وَخِفَاضُ الْمَرْأَةِ، وَالْخَفْضُ قَطْعُ جُلَيْدَةً فِي أَعْلَى فَرْجِهَا تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا ثُنِّيَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تَغْلِيبًا، وَلَهُ نَظَائِرُ، وَقَاعِدَتُهُ رَدُّ الْأَثْقَلِ إِلَى الْأَخَفِّ وَالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَهُمَا ; لِأَنَّ مُعَاذًا قَالَ حَدَّثَنَا وَأَبَا نُعَيْمٍ قَالَ عَنْ وَطَرِيقِ مُعَاذٍ إِلَى الصَّحَابِيِّ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (إِذَا جَلَسَ) الِضَمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ جَهِدَ لِلرَّجُلِ وَالضَّمِيرَانِ الْبَارِزَانِ فِي قَوْلِهِ شُعَبِهَا وجَهَدَهَا لِلْمَرْأَةِ، وَتَرَكَ إِظْهَارَ ذَلِكَ لِلْمَعْرِفَةِ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا غَشِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَقَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا … الْحَدِيثَ، وَالشُّعَبُ جَمْعُ شُعْبَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ. قِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا، وَقِيلَ: رِجْلَاهَا وَفَخِذَاهَا، وَقِيلَ: سَاقَاهَا وَفَخِذَاهَا، وَقِيلَ: فَخِذَاهَا وَإِسْكَتَاهَا وَقِيلَ فَخِذَاهَا وَشَفْرَاهَا، وَقِيلَ: نَوَاحِي فَرْجِهَا الْأَرْبَعُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْإِسْكَتَانِ نَاحِيَتَا الْفَرْجِ، وَالشَّفْرَانِ طَرَفُ النَّاحِيَتَيْنِ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَخِيرَ، وَاخْتَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ، قَالَ: لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْجُلُوسِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، فَاكْتَفَى بِهِ عَنِ التَّصْرِيحِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَهَدَهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ، يُقَالُ جَهَدَ وَأَجْهَدَ أَيْ بَلَغَ الْمَشَقَّةَ، قِيلَ مَعْنَاهُ كَدُّهَا بِحَرَكَتِهِ أَوْ بَلَغَ جَهْدَهُ فِي الْعَمَلِ بِهَا، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اجْتَهَدَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ مَعًا عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ بَدَلَ قَوْلِهِ ثُمَّ جَهَدَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْدَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ مُعَالَجَةِ الْإِيلَاجِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَعَادَتِهِ فِي التَّبْوِيبِ بِلَفْظِ إِحْدَى رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْبَابِ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهَا، وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْهَا بِلَفْظِ: وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ وَالِالْتِقَاءِ الْمُحَاذَاةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ إِذَا جَاوَزَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ حَقِيقَتَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْحَشَفَةِ، وَلَوْ حَصَلَ الْمَسُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute