الْحِجَابِ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَنْبَأَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعْتُ أَنَسًا) مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ عَنْعَنَةَ حُمَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرِ مُؤَثِّرَةٍ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهُ، وَيَحْيَى الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ تَغْيِيرٌ فَاحِشٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ خَرَجَتْ سَوْدَةُ - أَيْ بِنْتُ زَمْعَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتُ: وَقَعَ هُنَا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ، فَالْجَوَابُ: لَعَلَّهُ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ. قُلْتُ: بَلِ الْمُرَادُ بِالْحِجَابِ الْأَوَّلِ غَيْرُ الْحِجَابِ الثَّانِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمَرَ ﵁ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ نُفْرَةٌ مِنَ اطِّلَاعِ الْأَجَانِبِ عَلَى الْحَرِيمِ النَّبَوِيِّ، حَتَّى صَرَّحَ بِقَوْلِهُ لَهُ ﵊: احْجُبْ نِسَاءَكَ وَأَكَّدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، ثُمَّ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُبْدِينَ أَشْخَاصَهُنَّ أَصْلًا وَلَوْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ، فَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، فَمَنَعَ مِنْهُ، وَأَذِنَ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِنَّ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَرَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ إِيرَادَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لَيْسَ مُطَابِقًا، بَلْ إِيرَادُهُ فِي عَدَمِ الْحِجَابِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَحَالَ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ لِنُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ سَبَبٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: كُنْتُ آكُلُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ حَيْسًا فِي قَعْبٍ، فَمَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ فَأَكَلَ، فَأَصَابَ إِصْبَعُهُ إِصْبَعِي فَقَالَ: حِسَّ - أَوْ أَوْهُ - لَوْ أُطَاعُ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ. فَنَزَلَ الْحِجَابُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ قِصَّةِ زَيْنَبَ، فَلِقُرْبِهِ مِنْهَا أَطْلَقْتُ نُزُولَ الْحِجَابِ بِهَذَا السَّبَبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِيَخْرُجَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَدَخَلَ عُمَرُ فَرَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَعَلَّكَ آذَيْتَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَقَدْ قُمْتُ ثَلَاثًا لِكَيْ يَتْبَعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَالَ: لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ حِجَابًا، فَإِنَّ نِسَاءَكَ لَسْنَ كَسَائِرِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِنَّ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ.
٩ - بَاب ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾
٤٧٩٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute