للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كُلَّ يَوْمٍ فَكَانَ يَمُصُّهَا وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ، وَسِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ الْتَقَتَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ حَتَّى تَسَتَّرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ غَرَسَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا غُصْنًا، وَفِيهِ فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ: يَا جَابِرُ، نَادِ الْوُضُوءَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَفِيهِ: وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْجُوعَ، فَقَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ. فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ، فزجر الْبَحْرُ زجرة فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا وَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا.

وَذَكَرَ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ فِي عَيْنِهَا، وَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِي دَخَلَ تَحْتَ ضِلْعِهَا مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَهُوَ أَعْظَمُ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ عَلَى أَعْظَمِ جَمَلٍ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ يَقْتَضِي مُغَايَرَةَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَيْضًا، حَتَّى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: هَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ تِلْكَ، فَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ . وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِ جَابِرٍ فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ هِيَ الْفَصِيحَةُ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَأَرْسَلَنَا النَّبِيُّ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ فَتَتَّحِدُ الْقِصَّتَانِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ.

وَمِمَّا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا أَنَّ الْوَاقِدِيَّ زَعَمَ أَنَّ قِصَّةَ بَعْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ كَانَتْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَرَصَّدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ فِي هُدْنَةٍ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي، وَجَوَّزْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ أَوْ قَبْلَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ لِيَ الْآنَ تَقْوِيَةُ ذَلِكَ بِقَوْلِ جَابِرٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي غَزَاةِ بُوَاطٍ وَغَزَاةُ بُوَاطٍ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ خَرَجَ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَبَلَغَ بُوَاطًا، وَهِيَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ جِبَالٌ لِجُهَيْنَةَ مِمَّا يَلِي الشَّامَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، فَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا فَرَجَعَ، فَكَأَنَّهُ أَفْرَدَ أَبَا عُبَيْدَةَ فِيمَنْ مَعَهُ يَرْصُدُونَ الْعِيرَ الْمَذْكُورَةَ. وَيُؤَيِّدُ تَقَدُّمَ أَمْرِهَا مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْقِلَّةِ وَالْجَهْدِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ كَانَ حَالُهُمُ اتَّسَعَ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا، وَالْجَهْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِصَّةِ يُنَاسِبُ ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ فَيُرَجَّحُ مَا ذَكَرْتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٣ - بَاب أَكْلِ الْجَرَادِ

٥٤٩٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ سَبْعَ غَزَوَاتٍ - أَوْ سِتًّا - كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ.

قَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: سَبْعَ غَزَوَاتٍ.

قَوْلُهُ (بَابُ أَكْلِ الْجَرَادِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَالْوَاحِدَةُ جَرَادَةٌ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ كَالْحَمَامَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَرْدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا جَرَّدَهُ، وَخِلْقَةُ الْجَرَادِ عَجِيبَةٌ فِيهَا عَشَرَةٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ذَكَرَ بَعْضَهَا ابْنُ الشَّهْرُزُورِيِّ فِي قَوْلِهِ:

لَهَا فَخِذَا بَكْرٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ … وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤُ ضَيْغَمٍ

حَبَتْهَا أَفَاعِي الرَّمَلِ بَطْنًا وَأَنْعَمَتْ … عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ وَالْفَمِ

قِيلَ: وَفَاتَهُ عَيْنُ الْفِيلِ، وَعُنُقُ الثَّوْرِ، وَقَرْنُ الْأَيِّلِ، وَذَنَبُ الْحَيَّةِ.

وَهُوَ صِنْفَانِ: طَيَّارٌ وَوَثَّابٌ، وَيَبِيضُ فِي الصَّخْرِ