بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ أَتَظُنُّونَ؟
قَوْلُهُ: (قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ) أَيْ لَا تَطْرَحُهُ طَائِعَةً أَبَدًا. وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، إِلَخْ.
قَوْلُهُ: (لَلَّهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَامُ تَأْكِيدٍ، وَصَرَّحَ بِالْقَسَمِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ إِلَخْ.
قَوْلُهُ: (بِعِبَادِهِ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادِ هُنَا مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَبِيٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنِي ابْنِي، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِي ابْنَهَا فِي النَّارِ، فَقَالَ: وَلَا اللَّهِ بِطَارِحٍ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ فَالتَّعْبِيرُ بِحَبِيبِهِ يُخْرِجُ الْكَافِرَ. وَكَذَا مَنْ شَاءَ إِدْخَالَهُ مِمَّنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: لَفْظُ الْعَبادِ عَامٌّ وَمَعْنَاهُ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ فَهِيَ عَامَّةٌ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِيَّةِ وَخَاصَّةٌ بِمَنْ كُتِبَتْ لَهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ لِمَنْ سَبَقَ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ مِنْ أَيِّ الْعِبَادِ كَانَ حَتَّى الْحَيَوَانَاتِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْعَلَ تَعَلُّقَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِ رَحْمَةً مَا حَتَّى يُقْصَدَ لِأَجْلِهَا فَاللَّهُ ﷾ أَرْحَمُ مِنْهُ، فَلْيَقْصِدِ الْعَاقِلُ لِحَاجَتِهِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ لَهُ رَحْمَةً، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ الْمَسْبِيَّاتِ، لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَنْهَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي إِذْنَهُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا.
وَفِيهِ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِمَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ لِمَا لَا يُدْرَكُ بِهَا لِتَحْصِيلِ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ لَا يُحَاطُ بِحَقِيقَتِهِ لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَرَّبَهَا النَّبِيُّ ﷺ لِلسَّامِعِينَ بِحَالِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِيهِ جَوَازُ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَنْهَ الْمَرْأَةَ عَنْ إِرْضَاعِ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ أَرْضَعَتْهُمْ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكْبُرَ بَعْضُهُمْ فَيَتَزَوَّجُ بَعْضَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ مَعَهُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ حَالَةُ الْإِرْضَاعِ نَاجِزَةً، وَمَا يُخْشَى مِنَ الْمَحْرَمِيَّةِ مُتَوَهَّمٌ اغْتُفِرَ. قُلْتُ: وَلَفْظُ الصَّبِيِّ بِالتَّذْكِيرِ فِي الْخَبَرِ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَطْفَالَ لَوْلَا أَنَّهُمْ كَانَ بِهِمْ ضَرُورَةٌ إِلَى الْإِرْضَاعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَا تَرَكَهَا النَّبِيُّ ﷺ تُرْضِعُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَقْوَى فَلِأَنَّهُ أَقَرَّهَا عَلَى إِرْضَاعِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَبَيَّنَ الضَّرُورَةَ اهـ. مُلَخَّصًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
١٩ - بَاب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ في مِائَةَ جُزْءٍ
٦٠٠٠ - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ.
[الحديث ٦٠٠٠ - طرفه في: ٦٤٦٩]
قَوْلُهُ: (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي مِائَةِ جُزْءٍ) هَكَذَا تُرْجِمَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ بَابٌ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ بَابٌ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ.
قَوْلُهُ: (الْبَهْرَانِيُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute