يُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى عِنْدَ الْبَيْتِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ، فَنَزَلَتْ وَجَاءَ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ، مِنْهَا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ صَحَابِيٍّ لَمْ يُسَمِّ رَفْعُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي دُعَائِكَ فَتَذْكُرُ ذُنُوبَكَ فَتُعَيَّرُ بِهَا وَمِنْهَا مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أَيْ لَا تُصَلِّ مُرَاءَاةً لِلنَّاسِ ﴿وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ أَيْ لَا تَتْرُكْهَا مَخَافَةً مِنْهُمْ. وَمِنْ طُرُقٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوَهُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْلَا أَنَّنَا لَا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ نَهَارًا ﴿وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ أَيْ لَيْلًا، وَكَانَ ذَلِكَ وَجْهًا لَا يَبْعُدُ مِنَ الصِّحَّةِ، انْتَهَى. وَقَدْ أَثْبَتَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا. وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾
قَوْلُهُ: (سُورَةُ الْكَهْفِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ.
١٨ - سُورَةُ الْكَهْفِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ تَتْرُكُهُمْ، ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ، ﴿بَاخِعٌ﴾ مُهْلِكٌ، ﴿أَسَفًا﴾ نَدَمًا، الْكَهْفُ: الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ: الْكِتَابُ، ﴿مَرْقُومٌ﴾ مَكْتُوبٌ مِنْ الرَّقْمِ، ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا، ﴿لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، ﴿شَطَطًا﴾ إِفْرَاطًا، الْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ، جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الْوَصِيدُ الْبَابُ، ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ مُطْبَقَةٌ، آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ. ﴿بَعَثْنَاهُمْ﴾ أَحْيَيْنَاهُمْ، ﴿أَزْكَى﴾ أَكْثَرُ، وَيُقَالُ: أَحَلُّ، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ رَيْعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ﴾ لَمْ تَنْقُصْ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّقِيمُ: اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ، كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ. فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ: فَنَامُوا، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَأَلَتْ تَئِلُ: تَنْجُو. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مَوْئِلا﴾ مَحْرِزًا، ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ لَا يَعْقِلُونَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ (تَقْرِضُهُمْ) تَتْرُكُهُمْ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ، وَسَقَطَ هُنَا لِأَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِهِ، وَأَخْرَجَ الْفَرَّاءُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ ثُمُرٌ ثم بِالضَّمِّ فَهُوَ الْمَالُ، وَمَا كَانَ بِالْفَتْحِ فَهُوَ النَّبَاتُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرُ) كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ قَتَادَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الثَّمَرُ الْمَالُ كُلُّهُ، وَكُلُّ مَالٍ إِذَا اجْتَمَعَ فَهُوَ ثَمَرٌ إِذَا كَانَ مِنْ لَوْنِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (ثَمَرً) يَعْنِي بِفَتْحَتَيْنِ وَقَالَ: يُرِيدُ أَنْوَاعَ الْمَالِ، انْتَهَى. وَالَّذِي قَرَأَ هُنَا بِفَتْحَتَيْنِ عَاصِمٌ، وَبِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ أَبُو عَمْرٍو، وَالْبَاقُونَ بِضَمَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ أَنَّ ثَمَرَةً يُجْمَعُ عَلَى ثِمَارٍ، وَثِمَارٌ عَلَى ثُمُرٍ.
قَوْلُهُ: (بَاخِعٌ مُهْلِكٌ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنْشَدَ لِذِي الرُّمَّةِ:
أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ﴿بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أَيْ قَاتِلٌ نَفْسَكَ.
قَوْلُهُ: (أَسِفًا نَدَمًا) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَزِنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute