بِهِ بِحَيْثُ إِنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْحَرَكَةِ إِلَيْهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي أَوَاخِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا تَفْسِيرُ الِاسْتِطَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بلِ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ، لِأَنَّهَا لَوِ اخْتَصَّتْ لَلَزِمَ الْمَعْضُوبَ أَنْ يَشُدَّ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً لَيْسَتْ مُجْمَلَةً فَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانٍ، وَكَأَنَّهُ كَلَّفَ كُلَّ مُسْتَطِيعٍ قَدَرَ بِمَالٍ أَوْ بِبَدَنٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(تَقْسِيمٌ): النَّاسُ قِسْمَانِ، مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ، الثَّانِي: الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ. ومَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يُجْزِئَهُ الْمَأْتِيُّ بِهِ أَوْ لَا، الثَّانِي: الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ. وَالْمُسْتَطِيعُ، إِمَّا أَنْ تَصِحَّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْهُ أَوْ لَا، الثَّانِي: غَيْرُ الْمُمَيِّزِ. وَمَنْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ إِمَّا أَنْ يُبَاشِرَ عَنْهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا، الثَّانِي: الْكَافِرُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجِّ إِلَّا الْإِسْلَامُ.
٢ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، ﴿فِجَاجًا﴾ الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ
١٥١٤ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً.
١٥١٥ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ "أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃"
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ قِيلَ: إِنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ لِمَالِكٍ أَنَّ الرَّاحِلَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِ السَّبِيلِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ يَزْعُمُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّاجِلِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ. انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ،، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَتْجَرِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا فَاتَنِي شَيْءٌ أَشَدُّ عَلَيَّ أَنْ لَا أَكُونَ حَجَجْتُ مَاشِيًا، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قَبْلَ الرُّكْبَانِ.
قَوْلُهُ: (فِجَاجًا: الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ) قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ فِي الْمَعَانِي فِي سُورَةِ نُوحٍ: قَوْلُهُ: فِجَاجًا، وَاحِدُهَا فَجٌّ، وَهِيَ الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ. وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: يُقَالُ: الْفَجُّ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ الطَّرِيقُ فَجًّا، كَذَا قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ الْفَجَّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّ الْفَجَّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعِ فِي جَبَلٍ أَوْ فِي قِبَلِ جَبَلٍ، وَهُوَ أَوْسَعُ مِنَ الشِّعْبِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (فِجَاجًا) يَقُولُ: طُرُقًا مُخْتَلِفَةً. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: طُرُقًا وَأَعْلَامًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute