للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّ الْمُجَاهِرَ بِالْفِسْقِ وَالشَّرِّ لَا يَكُونُ مَا يُذْكَرُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَرَائِهِ مِنَ الْغِيبَةِ الْمَذْمُومَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: تُبَاحُ الْغِيبَةُ فِي كُلِّ غَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعًا؛ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِهَا: كَالتَّظَلُّمِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَالِاسْتِفْتَاءِ، وَالْمُحَاكَمَةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَجْرِيحُ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ، وَإِعْلَامُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ بِسِيرَةِ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، وَجَوَابُ الِاسْتِشَارَةِ فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ، وَكَذَا مَنْ رَأَى مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى مُبْتَدِعٍ أَوْ فَاسِقٍ وَيُخَافُ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَمِمَّنْ تَجُوزُ غِيبَتُهُمْ مَنْ يَتَجَاهَرُ بِالْفِسْقِ أَوِ الظُّلْمِ أَوِ الْبِدْعَةِ.

وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي ضَابِطِ الْغِيبَةِ وَلَيْسَ بِغِيبَةٍ مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ فَيُسْتَثْنَى أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٤٩ - بَاب النَّمِيمَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ

٦٠٥٥ - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرة، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، والْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ النَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ) سَقَطَ لَفْظُ بَابٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ.

ذكر فيه حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْقَبْرَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ، لِقَوْلِهِ فِي سِيَاقِهِ: وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: وَكَانَ الْآخَرُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ.

(لَطِيفَةٌ): أَبْدَى بَعْضُهُمْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مُنَاسَبَةً، وَهِيَ أَنَّ الْبَرْزَخَ مُقَدِّمَةٌ للْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الصَّلَاةُ وَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الدِّمَاءُ، وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ التَّطَهُّرُ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَمِفْتَاحُ الدِّمَاءِ الْغِيبَةُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ بِنَشْرِ الْفِتَنِ الَّتِي يُسْفَكُ بِسَبَبِهَا الدِّمَاءُ.

٥٠ - بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّمِيمَةِ وَقَوْلِهِ تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ وَيَعِيبُ وَاحِدٌ

٦٠٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ؛ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ) كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى بَعْضِ الْقَوْلِ الْمَنْقُولِ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْمَقُولُ فِيهِ كَافِرًا مَثَلًا، كَمَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ وَنَقْلُ مَا يَضُرُّهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ قَالَ الرَّاغِبُ: هَمْزُ الْإِنْسَانِ اغْتِيَابُهُ، وَالنَّمُّ إِظْهَارُ الْحَدِيثِ بِالْوِشَايَةِ، وَأَصْلُ النَّمِيمَةِ الْهَمْسُ وَالْحَرَكَةُ.

قَوْلُهُ: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ وَيَعِيبُ وَاحِدٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَغْتَابُ بِعيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ وَأَظُنُّهُ تَصْحِيفًا، وَالْهُمَزَةُ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الْهَمْزُ