جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ كَالتَّوْطِئَةِ وَالْعِلَّةِ لِقَبُولِ الْحَوَالَةِ، أَيْ: إِذَا كَانَ الْمَطْلُ ظُلْمًا فَلْيَقْبَلْ مَنْ يَحْتَالُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ الظُّلْمِ فَلَا يَمْطُلَ. نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْوَاوِ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لَكِنْ قَالَ: وَمَنْ أُتْبِعَ وَمُنَاسَبَةُ الْجُمْلَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ لِمَا فِي قَبُولِهَا مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ الْحَاصِلِ بِالْمَطْلِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ مُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ سَهْلَةً عَلَى الْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحِيلِ، فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ إِعَانَةٌ عَلَى كَفِّهِ عَنِ الظُّلْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَطْلِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعَدُّ فِعْلُهُ عَمْدًا كَبِيرَةً أَمْ لَا؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَفْسُقُ، لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ فِسْقُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ، وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا عَدَمُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَابْتِغَاءِ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ ظُلْمًا يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً، وَالْكَبِيرَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ. نَعَمْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ عُذْرِهِ، انْتَهَى.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَفْسُقُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمْ لَا؟ فَالَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ التَّوَقُّفُ عَلَى الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلَ يُشْعِرُ بِهِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلِ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ كَالزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَالْحَاكِمِ لِرَعِيَّتِهِ وَبِالْعَكْسِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْأَدَاءِ لَا يَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ، وَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنِ الذَّاتِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ أَجَابَ بِأَنَّ الْعَاجِزَ لَا يُسَمَّى مَاطِلًا، وَعَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي مَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ لَا يَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ، وَهَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ الْغَنِيِّ أَوْ لَيْسَ هُوَ فِي الْحُكْمِ بِغَنِيٍّ؟ الْأَظْهَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَوْ كَانَ فِي الْحُكْمِ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُطَالَبُ حَتَّى يُوسِرَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ جَازَتْ مُؤَاخَذَتُهُ لَكَانَ ظَالِمًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمٍ لِعَجْزِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ إِذَا صَحَّتْ ثُمَّ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ بِحُدُوثِ حَادِثٍ كَمَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْغِنَى فَائِدَةٌ، فَلَمَّا شُرِطَتْ عُلِمَ أَنَّهُ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ عَوَّضَهُ عَنْ دَيْنِهِ بِعِوَضٍ ثُمَّ تَلِفَ الْعِوَضُ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَرْجِعُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَشَبَّهُوهُ بِالضَّمَانِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مُلَازَمَةِ الْمُمَاطِلِ وَإِلْزَامِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ وَالتَّوَصُّلِ إِلَيْهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَأَخْذِهِ مِنْهُ قَهْرًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ رِضَى الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يُشْتَرَطُ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّة، وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى تَرْكِ الْأَسْبَابِ الْقَاطِعَةِ لِاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّهُ زَجْرٌ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ، وَهِيَ تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ.
عع
٢ - بَاب إِذَا أَحَالَ عَلَى مَلِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ
٢٢٨٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ.
٣ - بَاب إِنْ أَحَالَ دَيْنَ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ
٢٢٨٩ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ﵁،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute