شَكَّ رَاوِيهِ هَلْ هُوَ فِي الْحَوَالَةِ أَوِ الْكَفَالَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَحَلُّهُ مَا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ: تَوِيَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ: هَلَكَ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُفْلِسَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يَجْحَدَ فَيَحْلِفَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لِمَنْ رَضِيَ بِالدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْ رَضِيَ بِذَلِكَ فَهَلَكَ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَأَلْحَقَ الْبُخَارِيُّ الْحَوَالَةَ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا كَانَ بَيْنَ وَرَثَةٍ أَوْ شُرَكَاءَ مَالٌ وَهُوَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَبَايَعُوهُ بَيْنَهُمْ.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَدْ رَوَاهُ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ: الْمَطْلُ ظُلْمُ الْغَنِيِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، وَأُطْلِقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الْمَطْلِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنَّ مِنَ الظُّلْمِ مَطْلَ الْغَنِيِّ وَهُوَ يُفَسِّرُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَصْلُ الْمَطْلِ الْمَدُّ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا إِذَا مَدَدْتُهَا لِتَطُولَ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَطْلُ الْمُدَافَعَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَالْغَنِيُّ مُخْتَلَفٌ فِي تَفْرِيعِهِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَأَخَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ. وَهَلْ يَتَّصِفُ بِالْمَطْلِ مَنْ لَيْسَ الْقَدْرُ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ، لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالتَّكَسُّبِ مَثَلًا؟ أَطْلَقَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا، وَفَصَلَ آخَرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْنِ وَجَبَ بِسَبَبٍ يُعْصَى بِهِ فَيَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: مَطْلُ الْغَنِيِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ أَنْ يَمْطُلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَهُوَ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ أَوْلَى، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا التَّأْوِيلِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيء فَلْيَتْبَعْ) الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْكَانُ الْمُثَنَّا فِي أُتْبِعَ وَفِي فَلْيَتْبَعْ وَهُوَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِثْلُ إِذَا أُعْلِمَ فَلْيَعْلَمْ، تَقُولُ: تَبِعْتُ الرَّجُلَ بِحَقِّي أَتْبَعُهُ تَبَاعَةً - بِالْفَتْحِ - إِذَا طَلَبْتَهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا أُتْبِعَ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا فَلْيَتْبَعْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ. انْتَهَى.
وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أُتْبِعَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أُتْبِعَ فَلْيَتْبَعْ أَيْ: أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ، وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ يَعْلَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ كَمَا تَرَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: فَإِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتَّبِعْهُ وَهَذَا بِتَشْدِيدِ التَّاءِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْمَلِيءُ بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُلَاءِ، يُقَالُ: مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ، أَيْ: صَارَ مَلِيًّا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمَلِيُّ كَالْغَنِيِّ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَاقْتَضَى أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَتْبَعْ، لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَوَهَمَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ: هُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ شَاذٌّ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ: وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَالَ.
(تَنْبِيهٌ): ادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَشْهَرَ فِي الرِّوَايَاتِ وَإِذَا أُتْبِعَ وَأَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إِلَّا بِالْوَاوِ، وَغَفَلَ عَمَّا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هُنَا؛ فَإِنَّهُ بِالْفَاءِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute