للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَخْلَعُ الْأُخْرَى وَيَقِفُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ حَارَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَضُرُّ فِيهِ الْمَشْيُ حَتَّى يُصْلِحَهَا أَوْ يَمْشِيَ حَافِيًا إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفَتْوَى، وَفِي الْأَثَرِ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصُورَةِ الْجُلُوسِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ إِرَادَةِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ. وَيُنْعِلْهُمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَنْ أَنْعَلَ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: نَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَانْتَعَلَ أَيْ لَبِسَ النَّعْلَ، لَكِنْ قَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْضًا: أَنْعَلَ رِجْلَهُ أَلْبَسَهَا نَعْلًا، وَنَعَلَ دَابَّتَهُ جَعَلَ لَهَا نَعْلًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَالْبَعِيرَ وَنَعَلَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَا ضَبَطَهُ عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ غَسَّانَ تُنَعِّلُ الْخَيْلَ بِالضَّمِّ أَيْ تَجْعَلُ لَهَا نِعَالًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ إِنْ كَانَ لِلْقَدَمَيْنِ جَازَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ، وَإِنْ كَانَ لِلنَّعْلَيْنِ تَعَيَّنَ الْفَتْحُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا، وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَالَّذِي فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ كَالَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ، وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ، وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا، يَعُودُ عَلَى النَّعْلَيْنِ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْلِ قَدْ تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (تَكْمِلَةٌ): قَدْ يَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِخْرَاجِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْكُمِّ دُونَ الْأُخْرَى وَالتَّرَدِّي عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلْحَاقُ إِخْرَاجِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْكُمِّ وَتَرْكِ الْأُخْرَى بِلُبْسِ النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ وَالْخُفِّ الْوَاحِدِ بَعِيدٌ، إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ وَتَرْكِ الشُّهْرَةِ، وَكَذَا وَضْعُ طَرَفِ الرِّدَاءِ عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[٤٠ - باب ينزع نعله اليسرى]

٥٨٥٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا انتزع فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ.

قوله: (باب ينزع نعله اليسرى) وقع ذكر هذه الترجمة قبل التي قبلها عند الجميع إلا أبا ذر، ولكل منهما وجه.

قوله: إذا انتعل، أي لبس النعل.

قوله: باليمين، في رواية الكشميهني باليمنى.

قوله: وإذا انتزع، في رواية مسلم: وإذا خلع.

قوله: لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع: زعم ابن وضاح فيما حكاه ابن التين أن هذا القدر مدرج وأن المرفوع انتهى عند قوله: بالشمال، وضبط قوله أولهما وآخرهما بالنصب على أنه خبر كان أو على الحال والخبر تنعل وتنزع، وضبطا بمثناتين فوقانيتين وتحتانيتين مذكرين باعتبار النعل والخلع، قال ابن العربي: البداءة باليمين مشروعة في جميع الأعمال الصالحة لفضل اليمين حسا في القوة وشرعا في الندب إلى تقديمها، وقال النووي: