وَجَمَعَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ، فَمَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَإِلَّا فَتَجِبُ عَلَى عُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ.
وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَعُدْ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا تَعُدْ، فَلَا يَجُوزُ الْعَوْدُ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا حَرَّرْتُهُ جَوَابُ مَنْ قَالَ: لِمَ لَا دَعَا لَهُ بِعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى ذَلِكَ كَمَا دَعَا لَهُ بِزِيَادَةِ الْحِرْصِ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ جُوِّزَ أَنَّهُ رُبَّمَا تَأَخَّرَ فِي أَمْرٍ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ إِدْرَاكِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ التَّأْخِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ وَلَا تَعُدْ ضَبَطْنَاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَوْدِ، وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعَادَةِ، وَيُرَجِّحُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فَلَا يَرْكَعْ دُونَ الصَّفِّ حَتَّى يَأْخُذَ مَكَانَهُ مِنَ الصَّفِّ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ مُوَافَقَةِ الدَّاخِلِ لِلْإِمَامِ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ صَرِيحًا فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ وَجَدَنِي قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، وَفِي التِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، لَكِنَّهُ يَنْجَبِرُ بِطَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَذْكُورَةِ.
١١٥ - بَاب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وفِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
٧٨٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ ﵁ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ.
[الحديث ٧٨٤ - طرفاه في: ٨٢٦، ٧٨٦]
٧٨٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لَاشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ "
[الحديث ٧٨٥ - أطرافه في: ٨٠٠٣، ٧٩٥، ٧٨٩]
قَوْلُهُ: (بَابُ إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ) أَيْ مَدِّهِ بِحَيْثُ يَنْتَهِي بِتَمَامِهِ، أَوِ الْمُرَادُ إِتْمَامُ عَدَدِ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ. قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْإِتْمَامِ الْإِشَارَةَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُتِمَّ التَّكْبِيرَ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ، وَالْبَزَّارُ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عِمْرَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَأُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوِ الْمُرَادُ لَمْ يُتِمَّ الْجَهْرَ بِهِ أَوْ لَمْ يَمُدَّهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) أَيِ الْإِتْمَامَ