للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالْإِجْمَاعِ فِي أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ، وَالْآخَرُ لِأَبٍ، أَنَّ الشَّقِيقَ يَسْتَوْعِبُ الْمَالَ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ بِأُمٍّ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ: فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ وَالْمُرَادُ بِمَوَالِي الْعَصَبَةِ بَنُو الْعَمِّ، فَسَوَّى بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ أَيْ بَنِي الْعَمِّ.

فَإِنِ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ سَوَاءً، وَالتَّقْدِيرُ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، أَيْ: أَعْطُوا أَصْحَابَ الْفُرُوضِ حَقَّهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْأَقْرَبِ، فَلَمَّا أَخَذَ الزَّوْجُ فَرْضَهُ وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ فَرْضَهُ صَارَ مَا بَقِيَ مَوْرُوثًا بِالتَّعْصِيبِ، وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ لِلْأُمِّ أَحَدُهُمْ ابْنُ عَمٍّ أَنَّ لِلثَّلَاثَةِ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِابْنِ الْعَمِّ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَرَاتِبُ التَّعْصِيبِ الْبُنُوَّةُ ثُمَّ الْأُبُوَّةُ ثُمَّ الْجُدُودَةُ، فَالِابْنُ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ وَإِنْ فُرِضَ لَهُ مَعَهُ السُّدُسُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْأُبُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ، وَالْأَبُ أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ وَمِنَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ بِهِ يَنْتَسِبُونَ فَيَسْقُطُونَ مَعَ وُجُودِهِ، وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ مَعَهُمْ، وَمِنَ الْعُمُومَةِ لِأَنَّهُمْ بِهِ يَنْتَسِبُونَ، وَالْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ أَوْلَى مِنَ الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ; لِأَنَّ تَعْصِيبَ الْإِخْوَةِ بِالْأُبُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ بِالْجُدُودَةِ، هَذَا تَرْتِيبُهُمْ وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْقُرْبِ، فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى كَالْإِخْوَةِ مَعَ بَنِيهِمْ وَالْعُمُومَةِ مَعَ بَنِيهِمْ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الطَّبَقَةِ وَالْقُرْبِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ كَالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ قُدِّمَ، وَكَذَا الْحَالُ فِي بَنِيهِمْ وَفِي الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ التَّرْجِيحِ بِمَعْنَى غَيْرِ مَا هُمَا فِيهِ كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَقِيلَ: يَسْتَمِرُّ التَّرْجِيحُ فَيَأْخُذُ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّبَرِيِّ، وَدَاوُدَ، وَنُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: بَلْ يَأْخُذُ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ فَرْضَهُ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ تَقَدُّمِ الشَّقِيقِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ طَرِيقُ التَّرْجِيحِ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِجِهَةِ التَّعْصِيبِ ; لِأَنَّ الشَّقِيقَ شَارَكَ شَقِيقَهُ فِي جِهَةِ الْقُرْبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّعْصِيبِ

بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) هُوَ ابْنُ غَيْلَانَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ شَيْخُهُ هُوَ ابْنُ مُوسَى، وَقَدْ حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ كَثِيرًا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ابْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو حَصِينٍ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ، وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ.

قَوْلُهُ: (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا وأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ لَا مَعْنَى لَهَا هُنَا.

قَوْلُهُ (فَلْأُدْعَى لَهُ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هِيَ لَامُ الْأَمْرِ أَصْلُهَا الْكَسْرُ، وَقَدْ تُسَكَّنُ مَعَ الْفَاءِ وَالْوَاوُ غَالِبًا فِيهِمَا وَإِثْبَاتُ الْأَلْفِ بَعْدَ الْعَيْنِ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَخْبَارُ تَنْمِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِشْبَاعِ لِلْجَزْمِ، وَالْمَعْنَى فَادْعُونِي لَهُ أَقُومُ بِكَلِّهِ وَضَيَاعِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَلُّ الْعِيَالُ) ثَبَتَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، والْكُشْمِيهَنِيِّ، وَأَصْلُ الْكَلِّ الثِّقَلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَصْعُبُ، وَالْعِيَالُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَسَاسِ: كَلَّ بَصَرُهُ فَهُوَ كَلِيلٌ، وَكَلَّ عَنِ الْأَمْرِ لَمْ تَنْبَعِثْ نَفْسُهُ لَهُ، وَكَلَّ كَلَالَةً أَيْ قَصُرَ عَنْ بُلُوغِ الْقَرَابَةِ.

وقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَوَائِلِ الْفَرَائِضِ، وَرَوْحٌ شَيْخُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِيهِ هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمِنْبَرِيُّ.

١٦ - بَاب ذَوِي الْأَرْحَامِ