مِمَّا لَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إِلَيْهَا، أَوْ كَانَتْ مِمَّا يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ. أَوْ سُوءُ التَّأْوِيلِ. وَنُقِلَ عَنِ الْمُهَلَّبِ الْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الدَّابَّةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاضُعِ، فَإِنْ كَانَتْ لِضَعِيفٍ فَهُوَ مَحْمُودٌ وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَوْ لِمَنْ يُخْشَى لِسَانُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
قُلْتُ: وَالْمِثَالُ الثَّانِي لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ، فَيُجِيبُ لِيَأْمَنَ شَرَّهُ فَيَكُونُ هَذِهِ الْحَالَةَ مَحْمُودًا قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي الْقَضَاءِ سَائِرًا أَوْ مَاشِيًا. فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْفَهْمِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَنْبَغِي. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِمَا كَانَ يَسِيرًا، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ فَلَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَشْبَهُ بِالدَّلِيلِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ فِيمَا يَكُونُ غَامِضًا كَذَا أَطْلَقَ وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَا تَصِحُّ حُجَّةُ مَنْ مَنَعَ الْكَلَامَ فِي الْعِلْمِ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الْحِكَايَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْ مَالِكٍ فِي تَعْزِيرِهِ الْحَاكِمَ الَّذِي سَأَلَهُ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ حَدَّثَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا وَزَادَنِي تَحْدِيثًا، فَلَا يَصِحُّ. ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَحَالَةِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِلَغْوِ الطُّرُقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ تَرْجَمَةُ الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ لَهُمْ لِيَسْأَلُوهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي سُؤَالِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ سَائِرٌ مَاشِيًا وَرَاكِبًا كَثِيرَةٌ.
١١ - بَاب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ
٧١٥٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ يَقُولُ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِهَا، وَهِيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي. قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ. قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ. قوله (بَاب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ) ذكر فيه حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي جَاءَتْ تَعْتَذِرُ عَنْ قَوْلِهَا: إِلَيْكَ عَنِّي لَمَّا أَمَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَوَجَدَهَا تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ - بِالصَّبْرِ، فَفِي الْحَدِيثِ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ ت جِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا.
قَوْلُهُ: (إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا: إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُسَمَّ، وَأَنَّ الْمَقْبُورَ كَانَ وَلَدَهَا وَلَمْ يُسَمَّ أَيْضًا، وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَهَا أَنَّ الَّذِي خَاطَبَهَا هُوَ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ. وَوَقَعَ هُنَا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: هَلْ تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ، يَعْنِي صَاحِبَةَ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْمَرْأَةِ الَّتِي مِنْ أَهْلِ أَنَسٍ أَيْضًا، وَقَوْلُهَا: إِلَيْكَ عَنِّي أَيْ كُفَّ نَفْسَكَ وَدَعْنِي، وَقَوْلُهَا فَإِنَّكَ خِلْوٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ خَالٍ مِنْ هَمِّي. قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ ﷺ بَوَّابٌ رَاتِبٌ، يَعْنِي: فَلَا يَرِدُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ بَوَّابًا لِلنَّبِيِّ ﷺ لَمَّا جَلَسَ عَلَى الْقُفِّ، قَالَ: فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي شُغْلٍ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا انْفِرَادٍ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ حِجَابَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَيَبْرُزُ لِطَالِبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: دَلَّ حَدِيثُ عُمَرَ حِينَ اسْتَأْذَنَ لَهُ الْأَسْوَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute