للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ صِفَةُ قَتْلِ عَامِرٍ نَفْسَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فَفِيهِ: وَكَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ فَرَجَعَ ذُبَابُهُ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ.

قُلْتُ: وَنَقَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، وَالْبَابُ مُتَرْجَمٌ بِمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَظَنَّ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ تَعَقَّبَ ذَلِكَ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَإِنَّمَا سَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُنَا، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ عَدَلَ هُنَا عَنْ رِوَايَةِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى لِوُضُوحِهِ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ يَعْتَمِدُ هَذِهِ الطَّرِيقَ كَثِيرًا فَيُتَرْجِمُ بِالْحُكْمِ وَيَكُونُ قَدْ أَوْرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي مَكَانٍ آخَرَ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعِيدَهُ فَيُورِدَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ أَصْلًا أَوْ فِيهَا دَلَالَةٌ خَفِيَّةٌ، كُلُّ ذَلِكَ لِلْفِرَارِ مِنَ التَّكْرَارِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَلِيَبْعَثَ النَّاظِرَ فِيهِ عَلَى تَتَبُّعِ الطُّرُقِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ وَمِنَ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ مَثَلًا، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِرَاضِ بِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَإِنَّمَا أُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ بِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ شَيْخٍ مَكِّيٍّ بِلَفْظٍ فِيهِ: فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ أُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِهِ فَمَاتَ، وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ: فَلَا دِيَةَ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ اللَّائِقُ بِهِ التَّرْجَمَةُ السَّابِقَةُ إِذَا مَاتَ فِي الزِّحَامِ فَلَا دِيَةَ لَهُ عَلَى الْمُزَاحِمِينَ لِظُهُورِ أَنَّ قَاتِلَ نَفْسَهُ لَا دِيَةَ لَهُ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ النَّقَلَةِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَنْ نُسْخَةِ الْأَصْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ: دِيَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ رَدَّ هَذَا الْقَوْلِ.

قُلْتُ: نَعَمْ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ رَدَّ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ عَلَى قَائِلِهِ قَبْلَ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ الْأَوْزَاعِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَمَا أَظُنُّ مَذْهَبَ الظَّاهِرِيَّةِ اشْتَهَرَ عِنْدَ تَصْنِيفِ الْبُخَارِيِّ كِتَابَهُ فَإِنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَهُ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ رَأْسَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ طَالِبًا وَكَانَ سِنُّهُ يَوْمئِذٍ دُونَ الْعِشْرِينَ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ بِأَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: فَلَا دِيَةَ لَهُ يَلِيقُ بِتَرْجَمَةِ مَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ قَوِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْزِمْ فِي التَّرْجَمَةِ بِنَفْيِ الدِّيَةِ، بِخِلَافِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ ضَعِيفٌ فَجَزَمَ فِيهِ بِالنَّفْيِ، وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ، فَظَهَرَ أَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يُخَالِفُوا تَصَرُّفَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَوْلُهُ: (وَأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَأَيُّ قَتِيلٍ، وَصَوَّبَهَا ابْنُ بَطَّالٍ وَكَذَا عِيَاضٌ، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى خَطَأً مَحْضًا بَلْ يُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى مَعْنَى الْأُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٨ - بَاب إِذَا عَضَّ رَجُلًا فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ

٦٨٩٢ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَهُ".

٦٨٩٣ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى "عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "خَرَجْتُ فِي غَزْوَةٍ، فَعَضَّ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ "

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ) أَيْ هَلْ يَلْزَمُهُ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ:

الْأَوَّلُ: