وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجْذُومِينَ إِذَا كَثُرُوا هَلْ يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَجَامِعِ؟ وَهَلْ يُتَّخَذُ لَهُمْ مَسكَانٌ مُنْفَرِدٌ عَنِ الْأَصِحَّاءِ؟ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي النَّادِرِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَا فِي شُهُودِ الْجُمُعَةِ.
٢٠ - بَاب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ
٥٧٠٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قال: سَمِعْتُ عَمْرُو بْنَ حُرَيْثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَنِّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ ابْنِ بَطَّالٍ، وَيَأْتِي تَوْجِيهُهَا. وَفِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الصِّنْفُ الْمَخْصُوصُ ومِنَ الْمَأْكُولِ، لَا الْمَصْدَرُ الَّذِي بِمَعْنَى الِامْتِنَانِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَنِّ شِفَاءٌ، لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ أَنَّ الْكَمْأَةَ مِنْهُ، وَفِيهَا شِفَاءٌ إِذَا ثَبَتَ الْوَصْفُ لِلْفَرْعِ كَانَ ثُبُوتُهُ لِلْأَصْلِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ) أَيِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ ابْنَ عَمِّ أَبِيهِ. كَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَخَالَفَهُمْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَقَالَ فِي الْعِلَلِ، الصَّوَابُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ: أَظُنُّ عَبْدَ الْوَارِثِ أَخْطَأَ فِيهِ. وَقِيلَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَأَرَادَ زَوْجَ أُمِّهِ مَجَازًا فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَةً.
قَوْلُهُ: (الْكَمْأَةُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ، وَاحِدَةُ الْكَمْءِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مِثْلِ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَعَكَسَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: الْكَمْأَةُ جَمْعُ الْكَمْء الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ: وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى خَبْأَةٍ وَخَبْءٍ. وَقِيلَ: الْكَمْأَةُ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدةِ وَعَلَى الْجَمْعِ، وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا.
وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ الشَّرَابُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وِجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ. وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ، تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ. قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا، يُقَالُ: كَمَأَ الشَّهَادَةَ إِذَا كَتَمَهَا. وَمَادَّةُ الْكَمْأَةِ مِنْ جَوْهَرِ أَرْضِي بُخَارَي يَحْتَقِنُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ وَيُنَمِّيهِ مَطَرُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ مُتَجَسِّدًا، وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهَا جُدَرِيَّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا لَهَا بِجُدَرِيِّ مَادَّةً وَصُورَةً، لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ تَنْدَفِعُ غَالِبًا عِنْدَ التَّرَعْرُعِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ وَمُشَابَهَتُهَا لَهُ فِي الصُّورَةِ ظَاهِرٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ. الْحَدِيثَ. وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا: هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute