رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
[الحديث ٤٧٦ - أطرافه في: ٦٠٧٩، ٥٨٥٧، ٤٠٩٣، ٣٩٠٥، ٢٢٩٧، ٢٢٦٤، ٢٢٦٣، ٢١٣٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ: بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي مِلْكِ الْمَرْءِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي غَيْرِ مِلْكِهِ مُمْتَنِعٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْمُبَاحَاتِ حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ جَائِزٌ أَيْضًا، لَكِنْ شَذَّ بَعْضُهُمْ فَمَنَعَهُ؛ لِأَنَّ مُبَاحَاتِ الطُّرُقِ مَوْضُوعَةٌ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ، فَإِذَا بُنِيَ بِهَا مَسْجِدٌ مَنَعَ انْتِفَاعَ بَعْضِهِمْ، فَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ الرَّدَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، لِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ.
قُلْتُ: وَالْمَنْعُ الْمَذْكُورُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَبِيعَةَ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ) يَعْنِي: أَنَّ الْمَذْكُورِينَ وَرَدَ التَّصْرِيحُ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَالْجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَالْمُرَادُ بِأَبَوَيْ عَائِشَةَ أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِ أُمِّ رُومَانَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ) اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ الْمَتْنَ هُنَا، وَقَدْ سَاقَهُ فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ مُطَوَّلًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَعَشِيَّةً وَقَبْلَ قَوْلِهِ: ثُمَّ بَدَا قِصَّةً طَوِيلَةً فِي خُرُوجِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مَكَّةَ، وَرُجُوعِهِ فِي جِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ، وَاشْتِرَاطِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَعْلِنَ بِعِبَادَتِهِ، فَعِنْدَ فَرَاغِ الْقِصَّةِ قَالَ: ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، أَيْ: ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فَبَنَى مَسْجِدًا، فَذَكَرَ بَاقِيَ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَبْسُوطًا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - حَيْثُ شَرَحَ جَمِيعَ الْحَدِيثِ هُنَا - مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هُنَا سِوَى قَدْرٍ يَسِيرٍ، وَقَدِ اشْتَمَلَ مِنْ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٨٧ - بَاب الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمْ الْبَابُ
٤٧٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ - الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يؤذ يُحْدِثْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ) وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ مَسَاجِدِ. مَوْقِعُ التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي أَنَّ الْأَسْوَاقَ شَرُّ الْبِقَاعِ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ خَيْرُ الْبِقَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَمْنَعْ وَضْعَ الْمَسْجِدِ فِي السُّوقِ؛ لِأَنَّ بُقْعَةَ الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ تَكُونُ بُقْعَةَ خَيْرٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَسَاجِدِ فِي التَّرْجَمَةِ مَوَاضِعُ إِيقَاعِ الصَّلَاةِ لَا الْأَبْنِيَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّى ابْنُ