عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ قُتَيْبَةُ: هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَالَ فِيهِ: فَجَاءَ فُلَانٌ، رَجُلٌ سَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الرَّاوِي كَانَ رُبَّمَا سَمَّاهُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ زَمْعَةُ ضَعِيفًا لَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَوْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَوْ يُقَالَ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (مَا أَحْسَنَهَا) بِنَصْبِ النُّونِ، وَمَا لِلتَّعَجُّبِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا دَخَلَ طَوَاهَا، وَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِلَفْظِ فَقَالَ: نَعَمْ. فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ) مَا: نَافِيَةٌ، وَقَدْ وَقَعَتْ تَسْمِيَةُ الْمُعَاتِبِ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ، قَالَ سَهْلٌ: فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: لِمَ سَأَلْتَهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ مَا رَأَيْتُمْ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُخَبِّأَهَا حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ) كَذَا وَقَعَ هُنَا بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ: لَا يَرُدُّ سَائِلًا وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ فِي الْبُيُوعِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ فِي الْأَدَبِ: لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعُهُ.
قَوْلُهُ: (مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبِسَهَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ: فَقَالَ رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ ﷺ. وَأَفَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَةِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لَهُ غَيْرُهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تَفْرُغَ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ، وَسِعَةُ جُودِهِ، وَقَبُولُهُ الْهَدِيَّةَ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمُهَلَّبُ جَوَازَ تَرْكِ مُكَافَأَةِ الْفَقِيرِ عَلَى هَدِيَّتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمُكَافَأَةَ كَانَتْ عَادَةَ النَّبِيِّ ﷺ مُسْتَمِرَّةً، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهَا هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ فَعَلَهَا، بَلْ لَيْسَ فِي سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ الْجَزْمُ بِكَوْنِ ذَلِكَ كَانَ هَدِيَّةً فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَرَضَتْهَا عَلَيْهِ لِيَشْتَرِيَهَا مِنْهَا، قَالَ: وَفِيهِ جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَلَوْ تَجَرَّدَتْ لِقَوْلِهِمْ: فَأَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَهُمْ مِنْهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْمَصْنُوعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَانِعِهِ إِذَا كَانَ مَاهِرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهَا إِزَالَةَ مَا يُخْشَى مِنَ التَّدْلِيسِ. وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِحْسَانِ الْإِنْسَانِ مَا يَرَاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا، إِمَّا لِيُعَرِّفَهُ قَدْرَهَا، وَإِمَّا لِيُعَرِّضَ لَهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ حَيْثُ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِنْكَارِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْأَدَبِ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْمُنْكَرُ دَرَجَةَ التَّحْرِيمِ. وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ (١). وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: فِيهِ جَوَازُ إِعْدَادِ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ حَفَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّالِحِينَ قُبُورَهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَكَثُرَ فِيهِمْ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَنْبَغِي لِمَنِ اسْتَعَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ جِهَةٍ يَثِقُ بِحِلِّهَا، أَوْ مِنْ أَثَرِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ وَالْبَرَكَةَ.
٢٩ - باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ
١٢٧٨ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ﵂ قَالَتْ: نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا.
(١) هذا خطأ، والصواب المنع من ذلك لوجهين: أحدهما أن الصحابة لم يفعلوا ذلك مع غير النبي ﷺ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، والنبي ﷺ لا يقاس عليه غيره لما بينه وبين غيره من الفروق الكثيرة. الوجه الثاني سد ذريعة الشرك، لأن جواز التبرك بآثار الصالحين يفضي إلى الغلو فيهم وعبادتهم من دون الله فوجب المنع من ذلك. وقد سبق بيان ذلك مرارا.