حَالٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ وَمَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُرَدُّ ﵈ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ بِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ انْتَهَى.
وَالتَّقْيِيدُ بِمَنْ لَمْ يَتُبْ جَيِّدٌ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ بِقِصَّةِ كَعْبٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ وَتَابَ، وَلَكِنْ أَخَّرَ الْكَلَامَ مَعَهُ حَتَّى قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَقَضَيْتُهُ أَنْ لَا يُكَلَّمَ حَتَّى تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْقَبُولِ فِي قِصَّةِ كَعْبٍ كَانَ مُمْكِنًا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَكْفِي ظُهُورُ عَلَامَةِ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَأَمَارَةِ صِدْقِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (اِقْتَرَفَ) أَيِ اكْتَسَبَ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الِاقْتِرَافُ التُّهْمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ شَارِبٍ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: لَمْ يَجْمَعْهُ اللُّغَوِيُّونَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالُوا شَارِبٌ وَشَرْبٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ انْتَهَى. وَقَدْ قَالُوا: فَسَقَةٌ وَكَذَبَةٌ فِي جَمْعِ فَاسِقٍ وَكَاذِبٍ، وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ، وَبِهِ إِلَيْهِ قَالَ: لَا تَعُودُوا شُرَّابَ الْخَمْرِ إِذَا مَرِضُوا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرِ وَلَا تَعُودُوهُمْ إِذَا مَرِضُوا وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ إِذَا مَاتُوا وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِسَنَدٍ أَضْعَفَ مِنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ) هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَذَكَرَ قِطَعًا يَسِيرَةً مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي الْمَغَازِي بِطُولِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَوْلُهُ: وَآتِي هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنَ الْإِتْيَانِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عَنْ كَلَامِنَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَلَامٌ كَثِيرٌ آخِرُهُ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا قِصَّتُهُ مَعَ أَبِي قَتَادَةَ وَتَسَوُّرُهُ عَلَيْهِ الْحَائِطَ وَامْتِنَاعُ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَمِنْ جَوَابِهِ لَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ.
وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ هُنَا، وَفِيهِ مَا تَرْجَمَ بِهِ مِنْ تَرْكِ السَّلَامِ تَأْدِيبًا وَتَرْكِ الرَّدِّ أَيْضًا، وَهُوَ مِمَّا يُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَكَسَ ذَلِكَ أَبُو أُمَامَةَ؛ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمُرُّ بِمُسلَّمٍ وَلَا نَصْرَانِيٍّ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّا أُمِرْنَا بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى دَلِيلِ الْخُصُوصِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَا إِذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ الْمُسْلِمُ لِضَرُورَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ، كَقَضَاءِ حَقِّ الْمُرَافَقَةِ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ رِدْفًا لِابْنِ مَسْعُودٍ، فَصَحِبَنَا دَهْقَانُ، فَلَمَّا انْشَعَبَتْ لَهُ الطَّرِيقُ أَخَذَ فِيهَا، فَأَتْبَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَصَرَهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَكْرَهُ أَنْ يُبْدَءُوا بِالسَّلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ حَقُّ الصُّحْبَةِ. وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ سَلَامُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى أَهْلِ مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
٢٢ - بَاب كَيْفَ الرَدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بالسَّلَامُ
٦٢٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ