رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِيَةِ فِي بَابِ صِفَةِ إِبْلِيسَ بَيَانُ الْمَسِّ الْمَذْكُورِ لَفْظُهُ: كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِأصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعَنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ أَيْ فِي الْمَشِيمَةِ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا الطَّعْنُ مِنَ الشَّيْطَانِ هُوَ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيطِ، فَحَفِظَ اللَّهُ مَرْيَمَ وَابْنَهَا مِنْهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ أُمِّهَا حَيْثُ قَالَتْ: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ وَلَمْ يَكُنْ لِمَرْيَمَ ذُرِّيَّةٌ غَيْرُ عِيسَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ بِنُونٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ أَيْ سَبَبُ صُرَاخِ الصَّبِيِّ أَوَّلَ مَا يُولَدُ الْأَلَمُ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، وَالِاسْتِهْلَالُ الصِّيَاحُ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا) تَقَدَّمَ فِي بَابِ إِبْلِيسَ بِذِكْرِ عِيسَى خَاصَّةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَسِّ وَذَاكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعْنِ فِي الْجَنْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ قَبْلَ الْإِعْلَامِ بِمَا زَادَ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ رَوَاهُ خِلَاسٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ كُلُّ بَنِي آدَمَ قَدْ طَعَنَ الشَّيْطَانُ فِيهِ حِينَ وُلِدَ غَيْرَ عِيسَى وَأُمِّهِ جَعَلَ اللَّهُ دُونَ الطَّعْنَةِ حِجَابًا فَأَصَابَ الْحِجَابَ وَلَمْ يُصِبْهُمَا. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ وَالْمَقْصُودُ الِابْنُ كَقَوْلِكَ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ، وَكَرَمُهُ فَهُوَ تَعَسُّفٌ شَدِيدٌ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ إِلَخْ) فِيهِ بَيَانٌ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِدْرَاجًا وَأَنَّ تِلَاوَةَ الْآيَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
٤٥ - بَاب ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ يُقَالُ: يَكْفُلُ يَضُمُّ. كَفَلَهَا: ضَمَّهَا مُخَفَّفَةً. لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا.
٣٤٣٢ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا ﵁ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ.
[الحديث ٣٤٣٢ - طرفه في: ٣٨١٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ - الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ - ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ يُقَالُ يَكْفُلُ يَضُمُّ كَفَلَهَا ضَمَّهَا مُخَفَّفَةً، لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشَبَهِهَا) أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُخَفَّفَةً إِلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَقَرَأَهَا الْكُوفِيُّونَ كَفَّلَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ كَفَّلَهَا اللَّهُ زَكَرِيَّا، وَفِي قِرَاءَتِهِمْ زَكَرِيَّا بِالْقَصْرِ إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ قَرَأَهُ بِالْمَدِّ فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَقْرَأَ زَكَرِيَّاءَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ يُقَالُ كَفَلَهَا بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ ضَمَّهَا، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ أَيْ يَضُمُّ انْتَهَى. وَكَسْرُ الْفَاءِ هُوَ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ نَبِيَّةً وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَأُيِّدَ بِذِكْرِهَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute