يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَالْيَدَيْنِ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُرَادُ بِهِمَا الْكَفَّانِ لِئَلَّا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنِ افْتِرَاشِ السَّبُعِ وَالْكَلْبِ. انْتَهَى. وَوَقَعَ بِلَفْظِ الْكَفَّيْنِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (وَالرِّجْلَيْنِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ طَاوُسٍ الْمَذْكُورَةِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنَ الرِّجْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ كَيْفِيَّةُ السُّجُودِ عَلَيْهِمَا قَبْلُ بِبَابٍ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَبْهَةُ دُونَ غَيْرِهَا بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَيُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ. قَالَ: وَهَذَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ. قَالَ: وَأَضْعَفُ مِنْ هَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ سَجَدَ وَجْهِي، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِضَافَةِ السُّجُودِ إِلَى الْوَجْهِ انْحِصَارُ السُّجُودِ فِيهِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: إِنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ زِيَادَةٍ عَلَى الْمُسَمَّى، وَأَضْعَفُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةُ بِقِيَاسٍ شَبَهِيٍّ كَأَنْ يُقَالَ: أَعْضَاءٌ لَا يَجِبُ كَشْفُهَا فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا. قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِوَضْعِهَا دُونَ كَشْفِهَا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَشْفَ الرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِمَا يُحْذَرُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ كَشْفِ الْقَدَمَيْنِ فَلِدَلِيلٍ لَطِيفٍ وَهُوَ أَنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بِمُدَّةٍ تَقَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِالْخُفِّ، فَلَوْ وَجَبَ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ لَوَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ الْمُقْتَضِي لِنَقْضِ الطَّهَارَةِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ. انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: يُخَصُّ لَابِسُ الْخُفِّ لِأَجْلِ الرُّخْصَةِ. وَأَمَّا كَشْفُ الْيَدَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ في بَابِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ قُبَيْلَ أَبْوَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَفِيهِ أَثَرُ الْحَسَنِ فِي نَقْلِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الْكَشْفِ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي الرُّكُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَمُرَادُهُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ إِنَّمَا هُوَ بِاسْتِعَانَةِ الْأَعْظُمِ السِّتَّةِ غَالِبًا. انْتَهَى.
وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي مُرَادِهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْجَبْهَةِ كَهَذَا الْحَدِيثِ لَا تُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمَنْصُوصَ فِيهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْجَبْهَةِ إِمَّا لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَشْهَرَهَا فِي تَحْصِيلِ هَذَا الرُّكْنِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي غَيْرِهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْجَبْهَةِ لِلْوُجُوبِ وَغَيْرِهَا لِلنَّدْبِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِتَصَرُّفِهِ.
١٣٤ - بَاب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ
٨١٢ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ وُهَيْبٍ، وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ) وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَبْلُ.
قَوْلُهُ فِيهِ (عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، عَلَى الْجَبْهَةِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: عَلَى الثَّانِيَةِ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى الَّتِي فِي حُكْمِ الطَّرْحِ، أَوِ الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِنَحْوِ: حَاصِلًا. أَيِ اسْجُدْ عَلَى الْجَبْهَةِ حَالَ كَوْنِ السُّجُودِ