الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ أَيِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ التَّمْرُ، وَفِي رِوَايَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِهِ، وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْقِصَّةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ كَانَ فِي مِرْبَدِهِ، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ ابْنَهُ كَانَ إِلَى جَانِبِهِ وَفَرَسَهُ مَرْبُوطَةً فَخَشِيَ أَنْ تَطَأَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِكَوْنِهِ كَانَ حِينَئِذٍ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِظَهْرِ الْبَيْتِ خَارِجَهُ لَا أَعْلَاهُ فَتَتَّحِدُ الْقِصَّتَانِ.
قَوْلُهُ: (إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْتُ رَجَّةً مِنْ خَلْفِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ فَرَسِي تَنْطَلِقُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا اجْتَرَّهُ) بِجِيمٍ وَمُثَنَّاةٍ وَرَاءٍ ثَقِيلَةٍ وَالضَّمِيرُ لِوَلَدِهِ أَيِ اجْتَرَّ وَلَدَهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَتَّى لَا تَطَأَهُ الْفَرَسُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ أَخَّرَهُ بِمُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ وَرَاءٍ خَفِيفَةٍ أَيْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ بِهِ خَشْيَةً عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا) كَذَا فِيهِ بِاخْتِصَارٍ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ كَامِلًا وَلَفْظُهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِمِثْلِ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، فَعَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا.
قَوْلُهُ: (اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ) أَيْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى قِرَاءَتِكَ، وَلَيْسَ أَمْرًا لَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِي حَالَةِ التَّحْدِيثِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَحْضَرَ صُورَةَ الْحَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ لَمَّا رَأَى مَا رَأَى، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: اسْتَمِرَّ عَلَى قِرَاءَتِكَ لِتَسْتَمِرَّ لَكَ الْبَرَكَةُ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِمَاعِهَا لِقِرَاءَتِكَ، وَفَهِمَ أُسَيْدٌ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِعُذْرِهِ فِي قَطْعِ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ خِفْتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى أَيْ خَشِيتُ إِنِ اسْتَمْرَّيْتُ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَنْ تَطَأَ الْفَرَسُ وَلَدِي، وَدَلَّ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى مُحَافَظَةِ أُسَيْدٍ عَلَى خُشُوعِهِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَوَّلَ، مَا جَالَتِ الْفَرَسُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَكَأَنَّهُ كَانَ بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى اشْتَدَّ بِهِ الْخَطْبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفَعَ رَأْسَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ صَلَاتِهِ فَلِهَذَا تَمَادَى بِهِ الْحَالُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الْمَذْكُورَةِ اقْرَأْ أَبَا عَتِيكٍ وَهِيَ كُنْيَةُ أُسَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (دَنَتْ لِصَوْتِكَ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ تَسْتَمِعُ لَكَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ كَعْبٍ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ أُسَيْدٌ حَسَنُ الصَّوْتِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا اقْرَأْ أُسَيْدٌ فَقَدْ أُوتِيتَ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْبَاعِثِ عَلَى اسْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ لِقِرَاءَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَرَأْتَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَمَا إِنَّكَ لَوْ مَضَيْتَ.
قَوْلُهُ: (مَا يَتَوَارَى مِنْهُمْ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَرَأَيْتَ الْأَعَاجِيبَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ رُؤْيَةِ آحَادِ الْأُمَّةِ لِلْمَلَائِكَةِ، كَذَا أَطْلَقَ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالصَّالِحِ مِثْلًا وَالْحَسَنِ الصَّوْتِ، قَالَ: وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ وَأَنَّهَا سَبَبُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ. قُلْتُ: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَعَمُّ مِنَ الدَّلِيلِ، فَالَّذِي فِي الرِّوَايَةِ إِنَّمَا نَشَأَ عَنْ قِرَاءَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ سُورَةٍ خَاصَّةٍ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ مَا لَمْ يُذْكَرْ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ لَحَصَلَ ذَلِكَ لِكُلِّ قَارِئٍ. وَقَدْ أَشَارَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: مَا يَتَوَارَى مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لِاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي الِاسْتِمَاعِ كَانُوا يَسْتَمِرُّونَ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِفَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَفَضْلُ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفَضْلُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ التَّشَاغُلَ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَوْ كَانَ مِنَ الْمُبَاحِ قَدْ يُفَوِّتُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ فَكَيْفَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ
١٦ - بَابُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ ﷺ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
٥٠١٩ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ