للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَفِي الْأَدَبِ.

قَوْلُهُ: أَصْدَقُ بَيْتٍ أَطْلَقَ الْبَيْتَ عَلَى بَعْضِهِ مَجَازًا، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الْمِصْرَاعُ الْأَوَّلُ الْمُسَمَّى عَرُوضَ الْبَيْتِ، وَأَمَّا نِصْفُهُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالضَّرْبِ فَهُوَ

وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ فَأَشَارَ بِأَوَّلِ الْبَيْتِ إِلَى بَقِيَّتِهِ وَالْمُرَادُ كُلُّهُ، وَعَكْسُهُ مَا مَضَى فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ بِلَفْظِ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْقَصِيدَةُ وَقَدْ أَطْلَقَهَا وَأَرَادَ الْبَيْتَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوْرَدَهُ فِيهَا أَيْضًا بِلَفْظِ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ، وَبَحَثَ السُّهَيْلِيُّ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرْتُ أَيْضًا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ فِيمَا جَرَى لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ مَعَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ نَاظِمِ هَذَا الْبَيْتِ حَيْثُ قَالَ لَهُ لَمَّا أَنْشَدَ الْمِصْرَاعَ الْأَوَّلَ: صَدَقْتَ، وَلَمَّا أَنْشَدَ الْمِصْرَاعَ الثَّانِيَ: كَذَبْتَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: نَعِيمُ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، وَذَكَرْتُ تَوْجِيهَ كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَّقَ بِأَنَّ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ فَقَدْ صَدَّقَ بِبُطْلَانِ مَا سِوَاهُ، فَيَدْخُلُ نَعِيمُ الْجَنَّةِ، بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ هُنَا الْهَالِكُ، وَكُلُّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ جَائِزٌ عَلَيْهِ الْفِنَاءُ، وَإِنْ خُلِقَ فِيهِ الْبَقَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ كَنَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هُنَا: قَوْلُهُ: مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ لَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَا قَرُبَ مِنَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَأَمَّا أُمُورُ الدُّنْيَا الَّتِي لَا تَئُولُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَهِيَ الْبَاطِلُ، انْتَهَى وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.

(تَنْبِيهٌ): مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي لِلتَّرْجَمَةِ خَفِيَّةٌ، وَكَأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَمَّا تَضَمَّنَتْ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَوْ قَلَّتْ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ قَلَّتْ فَيُفْهَمُ أَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُخَالِفُهُ لِرَغْبَةٍ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَكُلُّ مَا فِي الدُّنْيَا بَاطِلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُؤْثِرَ الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي.

٣٠ - بَاب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ

٦٤٩٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ممن فضل عليه.

قَوْلُهُ: بَابُ لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ.

قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.

قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ.

قَوْلُهُ: عَنِ الْأَعْرَجِ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ.

قَوْلُهُ: إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيِ الصُّورَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَوْلَادُ وَالْأَتْبَاعُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنَ الْغَرَائِبِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخُلُقُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ.

قَوْلُهُ: فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا. وَيَجُوزُ فِي أَسْفَلَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ كَذَا ثَبَتَ فِي آخِرِ