وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾؛ لِأَنَّ الْأَحْقَافَ مَكِّيَّةٌ، وَسُورَةُ الْفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ فِي مَعْنَاهُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِثْبَاتُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ الْمُجْمَلِ، وَالنَّفْيُ عَلَى الْإِحَاطَةِ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جابرٍ: (وَيَنْهَوْنِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَنْهَوْنَنِي وَهُوَ أَوْجَهُ، وَفَاطِمَةُ عَمَّةُ جَابِرٍ، وَهِيَ شَقِيقَةُ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَوْ فِي قَوْلِهِ: تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ لِلتَّخْيِيرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُكَرَّمٌ بِصَنِيعِ الْمَلَائِكَةِ، وَتَزَاحُمِهِمْ عَلَيْهِ لِصُعُودِهِمْ بِرُوحِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ، وَأَوَّلُهُ: جَاءَ قَوْمِي بِأَبِي قَتِيلًا يَوْمَ أُحُدٍ.
٤ - بَاب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ
١٢٤٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ؛ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
[الحديث ١٢٤٥ - أطرافه في: ١٣١٨، ١٣٢٧، ١٣٣٣، ٣٨٨٠، ٣٨٨١]
١٢٤٦ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَتَذْرِفَانِ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ.
[الحديث ١٢٤٦ - أطرافه في: ٢٧٩٨، ٣٠٦٣، ٣٦٣٠، ٣٧٥٧، ٦٣٤٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ الرَّجُلُ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِحَذْفِ أَهْلِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ يَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بِنَفْسِهِ لِلرَّجِلِ الَّذِي يَنْعَى الْمَيِّتَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الضَّمِيرُ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الَّذِي يُنْكَرُ عَادَةً هُوَ نَعْيُ النَّفْسِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْتِ. انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ فِي التَّرْجَمَةِ خَلَلًا، قَالَ: وَالصَّوَابُ الرَّجُلُ يَنْعَى إِلَى النَّاسِ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ لَفْظَ الْأَهْلِ بِالنَّاسِ، وَأَثْبَتَ الْمَفْعُولَ الْمَحْذُوفَ، وَلَعَلَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ فَسَقَطَ، أَوْ حُذِفَ عَمْدًا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، أَوْ لَفْظُ يُنْعَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الْمَيِّتُ، وَالضَّمِيرُ حِينَئِذٍ لَهُ، كَمَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ، وَيَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ.
وَأَمَّا التَّعبِيرُ بِالْأَهْلِ فَلَا خَلَلَ فِيهِ، لِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَهُوَ أُخُوَّةُ الدِّينِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ التَّعْبِيرِ بِالنَّاسِ، لِأَنَّهُ يُخْرِجُ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِهِ أَهْلِيَّةٌ كَالْكُفَّارِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ، فَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: إِنَّهَا فَاسِدَةٌ، قَالَ: وَفَائِدَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النَّعْيَ لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلُّهُ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَهُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِنُ بِخَبَرِ مَوْتِ الْمَيِّتِ عَلَى أَبْوَابِ الدُّورِ وَالْأَسْوَاقِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّعْيَ الَّذِي هُوَ إِعْلَامُ النَّاسِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِمْ مُبَاحٌ، وَإِنْ