للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَدِيثُ أُمِّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَسَيَأْتِي بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي بَابِ الْقُرْعَةِ آخِرَ الشَّهَادَاتِ، وَفِي التَّعْبِيرِ. ثَالِثُهَا: حَدِيثُ جَابِرٍ فِي مَوْتِ أَبِيهِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. وَدَلَالَةُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مُشْكِلَةٌ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا دَخَلَ قَبْلَ الْغُسْلِ فَضْلًا عَنِ التَّكْفِينِ وَعُمَرُ يُنْكِرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مَاتَ، وَلِأَنَّ جَابِرًا كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِ أَبِيهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ: إِنَّ الَّذِي وَقَعَ دُخُولُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ مُسَجًّى أَيْ مُغَطًّى، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الدُّخُولَ عَلَى الْمَيِّتِ يَمْتَنِعُ إِلَّا إِنْ كَانَ مُدْرَجًا فِي أَكْفَانِهِ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُدْرَجِ، لِئَلَّا يُطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مَا يُكْرَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَا مُحَصَّلُهُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَصُونًا عَنْ كُلِّ أَذًى، فَسَاغَ لَهُ الدُّخُولَ مِنْ غَيْرِ تَنْقِيبٍ عَنِ الْحَالِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ أَيْضًا بِأَنَّ ثِيَابَ الشَّهِيدِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا هِيَ أَكْفَانُهُ فَهُوَ كَالْمُدْرَجِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: نَهْيُهُمْ لَهُ عَنْ كَشْفِ وَجْهِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الِاقْتِرَابِ مِنَ الْمَيِّتِ، وَلَكِنْ يُتَعَقَّبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ نَهْيِهِمْ عَنْ نَهْيِهِ يَدُلُّ عَلَى تَقْرِيرِ نَهْيِهِمْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الدُّخُولَ الثَّابِتَ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ كَانَ فِي حَالَةِ الْإِدْرَاجِ أَوْ فِي حَالَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا.

قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ كَشْفِ الْمَيِّتِ بَعْدَ تَسْجِيَتِهِ مُسَاوٍ لِحَالِهِ بَعْدَ تَكْفِينِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ تَعْظِيمًا وَتَبَرُّكًا (١) وَجَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ: هِيَ لَفْظَةٌ اعْتَادَتِ الْعَرَبُ أَنْ تَقُولَهَا، وَلَا تَقْصِدُ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيَّ، إِذْ حَقِيقَةُ التَّفْدِيَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَجَوَازُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا.

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَعْمَرٌ هُوَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَالسُّنْحُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ النُّونِ، بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ: مَنَازِلُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُتَزَوِّجًا فِيهِمْ.

قَوْلُهُ: (فَتَيَمَّمَ) أَيْ قَصَدَ. وَبُرْدُ حِبَرَةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّنْوِينُ عَلَى الْوَصْفِ، وَعَدَمُهُ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ مُخَطَّطَةٌ غَالِيَةُ الثَّمَنِ. وقَوْلُهُ: (فَقَبَّلَهُ) أَيْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ وَأَوْرَدَهُ صَرِيحًا. وَقَوْلُهُ: (الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الَّتِي كُتِبَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ، وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ: مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ. قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْعَلَاءِ: (أَنَّهُ اقْتُسِمَ) الْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَاقْتُسِمَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَنْصَارَ اقْتَرَعُوا عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمُ الْمَدِينَةَ. وَقَوْلُهَا (فَطَارَ لَنَا)؛ أَيْ وَقَعَ فِي سَهْمِنَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ بِالصَّادِ، فَصَارَ لَنَا وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إِنْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ. وَقَوْلُهَا (أَبَا السَّائِبِ) تَعْنِي عُثْمَانَ الْمَذْكُورَ.

قَوْلُهُ: (مَا يُفْعَلُ بِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ هَذَا، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِرِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَقِيلٍ الَّتِي لَفْظُهَا: مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَعَلَّقَ مِنْهَا هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ بَاقِي الْحَدِيثِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَرِوَايَةُ نَافِعٍ الْمَذْكُورَةُ وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ شُعَيْبٍ، فَسَتَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ مَوْصُولَةٌ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَوَصَلَهَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ مَعْمَرٍ، فَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَقَدْ وَصَلَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ أَيْضًا. وَرُوِّينَاهَا فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَلَفْظُهُ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ذَلِكَ مُوَافَقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾


(١) قوله: "وتبركا" هذا في حق النبي جائز لما جعل الله في جسده من البركة، وأما من سواه من الأموات فلا يجوز أن يقبل للتبرك، لأن غير النبي لا يقاس عليه، ولأن فعل ذلك مع غيره وسيلة إلى الشرك فيمنع، لأن الصحابة لم يفعلوا مثل هذا مع غير النبي للتبرك وهم أعلم الناس بما يجيزه الشرع. والله أعلم.