الْأَكْلِ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى عَيْنِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ هِيَ لَهُمْ وَإِنَّهَا لَهُمْ، وَقِيلَ: لِكَوْنِهِمَا الْأَثْمَانَ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، فَلَوْ أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهَا لَجَازَ اتِّخَاذُ الْآلَاتِ مِنْهُمَا فَيُفْضِي إِلَى قِلَّتِهِمَا بِأَيْدِي النَّاسِ فَيُجْحَفُ بِهِمْ، وَمَثَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِالْحُكَّامِ الَّذِينَ وَظِيفَتُهُمُ التَّصَرُّفُ لِإِظْهَارِ الْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَوْ مُنِعُوا التَّصَرُّفَ لَأَخَلَّ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ، فَكَذَا فِي اتِّخَاذِ الْأَوَانِي مِنَ النَّقْدَيْنِ حَبْسٌ لَهُمَا عَنِ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ. وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا جَوَازُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ مِنَ النَّقْدَيْنِ، وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الرَّاجِحَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو عَلِيٍّ السَّنْجِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ. وَقِيلَ: عِلَّةُ التَّحْرِيمِ السَّرَفُ وَالْخُيَلَاءُ، أَوْ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْأَوَانِي مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ وَغَالِبُهَا أَنْفَسُ وَأَكْثَرُ قِيمَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا إِلَّا مَنْ شَذَّ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ بَعْدَهُ. لَكِنْ فِي زَوَائِدِ الْعُمْرَانِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ نَقَلَ وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: الْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ التَّشَبُّهُ بِالْأَعَاجِمِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِثُبُوتِ الْوَعِيدِ لِفَاعِلِهِ، وَمُجَرَّدُ التَّشَبُّهِ لَا يَصِلُ إِلَى ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِي اتِّخَاذِ الْأَوَانِي دُونَ اسْتِعْمَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ فِي مَنْعِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ غَرَامَةُ أَرْشِ مَا أُفْسِدَ مِنْهَا وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا.
٢٩ - بَاب الشُّرْبِ فِي الْأَقْدَاحِ
٥٦٣٦ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَبُعِثَ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الشُّرْبِ فِي الْأَقْدَاحِ) أَيْ هَلْ يُبَاحُ أَوْ يُمْنَعُ لِكَوْنِهِ مِنْ شِعَارِ الْفَسَقَةِ؟ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الشُّرْبَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ شِعَارِ الْفَسَقَةِ لَكِنْ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَشْرُوبِ وَإِلَى الْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ فَيُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَرَاهَةُ الشُّرْبِ فِي الْقَدَحِ إِذَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مَرَّ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ.
٣٠ - بَاب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ ﷺ وَآنِيَتِهِ
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَا أَسْقِيكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ؟
٥٦٣٧ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قَالَ: ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَتْ، فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى جَاءَهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُّ ﷺ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَقَالَ: قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي. فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا. قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَاءَ لِيَخْطُبَكِ. قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَئِذٍ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute